قناة أمريكية: عودة ترامب.. هل تحمل صفقة لإنهاء حرب السودان؟
السودان الذي تركه دونالد ترامب في يناير 2021 ليس هو السودان الذي سيواجهه عند عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025. خلال فترة حكومته الأولى، شهد السودان تغييرا سياسيا إيجابيا انطلق من الثورة السودانية التي أدت إلى الإطاحة بنظام عمر البشير، وتواصل ذلك بتوقيع الوثيقة الدستورية التي أسست لشراكة بين المدنيين والعسكريين. من خلال المجلس السيادي الذي يترأسه الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو، وبين مجلس الوزراء برئاسة عبد الله حمدوك.
-
حرب السودان: البرهان في إريتريا وأزمة النزوح تتفاقم في دارفور
-
حزب البشير وحرب السودان.. البرهان يزيل الغطاء عن النفوذ الخفي
رغم ضعفه، اعتبر المراقبون أن هذا النموذج يمثل خطوة نحو تحقيق الديمقراطية والاستقرار. وعند مناقشة مستقبل الدور الذي يمكن أن يقوم به ترامب، الذي دعا إلى مفهوم “السلام عبر القوة” أثناء حملته الانتخابية، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت هناك صفقة في السودان لإعادة إحياء هذا النهج. خلال تلك المرحلة، كانت إحدى إنجازات إدارة ترامب هي إدخال السودان في عملية التطبيع مع إسرائيل ضمن إطار اتفاقيات أبراهام. كانت السودان مثالاً لتحقيق السلام والتطبيع في ظروف سياسية واقتصادية معقدة. كنموذج، يمكن أن تفتح أمام دول أخرى الفرصة للانضمام إلى مسيرة السلام في المنطقة، خاصةً أن الخرطوم كانت تحتضن اللاءات الثلاث الشهيرة “لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل”. مع تطبيع العلاقات مع السودان، ستصبح هذه اللاءات جزءاً من الماضي، ليفتح بذلك عهد جديد بدأه ترامب. تلك الخطوة، على الرغم من الجدل المحيط بها، كانت ضرورية لرفع السودان من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، مما أحدث تحولاً كبيراً في علاقة السودان مع الولايات المتحدة والعالم.
-
حرب السودان الحالية.. هل يدفع الوطن نحو التفكك الكامل؟
-
الدرونز تشعل حرب السودان: هجمات مكثفة على عاصمة الحديد والنار
عهد بايدن: على الرغم من المساعي المبذولة، فإن الانتقال يتجه نحو الصراع
تبدلت الظروف بعد انتهاء ولاية ترامب ودخول الرئيس جو بايدن إلى الحكم، ورغم أن فترة بايدن شهدت تحسينًا في العلاقات الدبلوماسية وتعيين جون جودفري كأول سفير أمريكي في السودان. في عام 2021، شهد السودان انقلابًا عسكريًا أطاح بالحكومة المدنية برئاسة حمدوك. وسرعان ما تفاقمت الأوضاع نتيجة الخلافات الداخلية بين القادة العسكريين، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية مدمرة في أبريل 2022. وفقاً للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، أصبحت الأزمة في السودان من أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم، إذ قُتل الآلاف وتعرض الملايين للنزوح. خلال فترة ولاية بايدن، تمحورت اهتمامات الإدارة حول قضايا أخرى مثل النزاع الروسي الأوكراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
-
بريطانيا تقدم مشروع قرار في مجلس الأمن لإنهاء الحرب السودانية وتأمين المساعدات
-
حرب السودان: البرهان يهاجم تشاد بدون تقديم أدلة مؤكدة
ورغم الأهمية الجيوسياسية للسودان، إلا أنه لم يتلقَ الاهتمام الدولي المطلوب، مما أدى إلى وصف أزمته بـ”الحرب المنسية” وزيادة تفاقم الأزمات هناك. علاوة على ذلك، يعكس الوضع الحالي في السودان تعقيد المصالح الإقليمية والدولية.
حيث تشير التقارير الصادرة من الأمم المتحدة والوسائل الإعلامية إلى تدفق الأسلحة إلى السودان من دول مثل إيران وروسيا والصين وتركيا والإمارات وصربيا، بالإضافة إلى الأسلحة المهربة عبر الحدود الليبية لدعم قوات الدعم السريع. يتجلى الوجود الإيراني في السودان بشكل واضح، لا سيما من خلال الأسلحة، وذلك بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران في وقت حساس عقب فترة قطيعة استمرت حوالي عشر سنوات. هذا التطور يثير قلقاً بشأن احتمال عودة تأثير النظام السابق، الذي كان لديه علاقات متينة مع إيران وأسهم في عزل السودان وإدراجه في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
-
حرب السودان تتعقد.. البرهان يستخدم الميليشيات لإطالة النزاع
-
تشاد ترفض اتهامات التدخل في الحرب السودانية
نورمان رول، المدير السابق لمكتب المخابرات الوطنية الأمريكية لشؤون إيران، أشار في حلقة حول التدخل الإيراني في السودان ببرنامج “بين نيلين” على قناة الحرة، إلى أن أهداف إيران في السودان تتميز بطابع توسعي، حيث تسعى لتعزيز نفوذها وتأمين حلفاء في منطقة البحر الأحمر. هذا النفوذ يثير تساؤلات بشأن أمن المنطقة بشكل عام، خاصة في ظل سعي الحكومة السودانية للحصول على دعم عسكري وسياسي تجده لدى كل من إيران وروسيا. ويشير أيضًا إلى أن “إيران تتمتع بسجل طويل في استغلال الظروف الأمنية غير المستقرة، كما يتضح في اليمن والعراق، والآن تعمل على استغلال الأحداث في السودان لتحقيق أهدافها الاستراتيجية”.
تزداد احتمالات استمرار الحرب التي دخلت عامها الثاني، حيث أسفرت عن مقتل أكثر من 61 ألف شخص في ولاية الخرطوم فقط خلال 14 شهراً، في حين تشير التقديرات إلى أن العدد الحقيقي للضحايا يتجاوز بكثير الأرقام المعلنة. كما أن هناك 26 ألف شخص آخرين توفوا متأثرين بجروح خطيرة. تشير التقارير الدولية إلى أن حوالي 25.6 مليون شخص، وهو ما يزيد عن نصف سكان السودان، يعانون من الجوع الشديد، من بينهم أكثر من 755 ألف شخص يعيشون على حافة المجاعة.
-
تطورات إقليمية مفاجئة في الحرب السودانية: ما المستجدات؟
-
حرب السودان تشتد.. ومذابح «داعش» تلوح في الأفق
علاوة على ذلك، يبلغ عدد النازحين داخل السودان حاليًا حوالي 10.7 مليون شخص، يشكلون 2.1 مليون أسرة، مما يزيد من حدة الكارثة الإنسانية ويبرز الحاجة الملحة للتحرك لإنهاء معاناة هذا البلد الأفريقي. فيما يتعلق بإمكانية عودة السودان كصفقة سهلة في ملف التطبيع، يؤكد أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي وأستاذ أبحاث في مدرسة فليتشر بجامعة تافتس، في برنامج “بين نيلين” على الحرة: “قد تكون هناك صفقة عابرة نتيجة لشيء آخر يتعلق بالسودان، ولكن يجب علينا ألا نعتمد على ذلك.”
وفقًا للمحلل أليكس دي وال، فإن سياسة ترامب السابقة تجاه السودان كانت تستند إلى محورين: الأول هو إضعاف دور الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والثاني هو الاعتماد على حلفاء إقليميين مثل إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات. حيث كانت لهذه الدول السيطرة في التعامل مع القضية السودانية بما يعكس مصالحها. تظل التحديات التي تواجه الولايات المتحدة معقدة.
-
البرهان وحميدتي في مشهد دولي.. حرب السودان تصل إلى الأمم المتحدة
-
الجهود الأمريكية لوقف حرب السودان.. هل تحقق نتائج ملموسة؟
وقد أشار المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بريللو، في تصريحاته إلى أن الجهود الإقليمية تهدف إلى تحويل اللاعبين السلبيين إلى إيجابيين. على سبيل المثال، تناول “دور الإمارات في محاولة استعادة التوازن في الأوضاع، وكيف يمكن أن تُصبح لاعبًا إيجابيًا من خلال الضغط والعقوبات التي فرضت على شركات إماراتية مرتبطة بالدعم السريع”. وصف مصر بأنها تلعب دوراً إيجابياً وأثنى عليها، مشيراً إلى أنها تسعى لتحقيق السلام في السودان.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد اعتُبرت وسيطًا مهمًا، لكنه لم يؤكد وجود ضمانات من هذه الدول لدعم خطط السلام الأميركية. ونظرًا للتحديات الإنسانية الكبيرة، كان دعم القضايا الإنسانية هو الأمر الأكثر أولوية. من ناحية أخرى، يلفت دي وال الانتباه إلى أن الولايات المتحدة قامت بالتركيز على المساعدات الإنسانية بدون أن تتناول أساس الأزمة. يقول: “تُعتبر الإغاثة الإنسانية أمرًا مهمًا، لكنها تبقى في المرتبة الثانية. المسألة الأساسية هي التواصل مع صناع القرار الحقيقيين في العواصم الشرق أوسطية، حيث تُتخذ القرارات الحاسمة، والضغط عليهم. فهو يرى أن الحل يكمن خارج السودان وليس داخله.” الوضع السياسي الداخلي، مثل الخارجي، يعاني من الانقسام.
-
حرب السودان هي الحرب الأكثر تدميرًا في العالم حاليًا
-
حرب السودان.. مرضى يواجهون الموت بعد خروج أغلب المستشفيات عن الخدمة
ويشير إلى ذلك عمر قمر الدين، وزير الخارجية السوداني السابق، الذي يعتبر أن غياب التمثيل المدني في النقاشات الدولية المتعلقة بالسودان يعد خطأً استراتيجياً. ويقول: “التحدي الأساسي يكمن في أداء الجهات المدنية نفسها.” ويقول: “لا يوجد تهميش متعمد من جانب الإدارة الأميركية للقوى المدنية، لكن عدم تعاون مكونات القوى المدنية فيما بينها، وغياب رؤية موحدة واضحة بشأن الحرب وأطراف الصراع، أدى إلى استبعادها فعليًا من معادلة الحل. يجب أن يكون من أولويات القوى المدنية تقديم رؤيتها للحل بوضوح أولاً، ثم تطلب الدعم الدولي وليس العكس.”
السودان كجزء من اللعبة الكبرى
عندما نناقش احتمالية معالجة ملف السودان كقضية منفصلة أو استمراره تحت تأثير حسابات جيوسياسية أوسع، يشير مايكل والش، زميل برنامج أفريقيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية لبرنامج “بين نيلين” على الحرة، إلى أنه يجب علينا النظر إلى الوضع الراهن بشكل شامل وليس بشكل منفصل. ويعتقد أن إدارة ترامب قد تتبنى نهجاً يركز على النتائج، مما قد يدفعها لسعي تقديم حلول سريعة للنزاعات القائمة في أفريقيا، بما في ذلك النزاع في السودان.
-
500 يوم من حرب السودان: انسداد الأفق السياسي وتفاقم الأزمات الإنسانية
-
حرب السودان: جنوب كردفان بين نار القتل وهاجس المجاعة
مع زيادة التوترات الإقليمية، قد يتحول السودان إلى عنصر في صراع أوسع. تسلط الحرب بين إسرائيل وحماس التي انطلقت في أكتوبر 2023، والتي كانت من عوامل تعطل عملية التطبيع، الضوء على السودان كجزء من هذا السياق. ويصبح الوقت هو التحدي الرئيسي، ويتساءل ما إذا كان السودان سيكون واحداً من القضايا التي تتناولها الإدارة في عامها الأول تحت حكم ترامب، أم أنه كما جرت العادة في الإدارات الأميركية، سيصبح أحد الملفات التي يتم إنهاؤها في السنة الأخيرة. في النهاية، إذا تمكنت الولايات المتحدة من إدارة حالة السودان بنجاح، فقد تكون هذه خطوة لتعزيز مكانتها كوسيط للسلام في واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا في العالم