في ذكرى أكتوبر.. دعوات وطنية لوقف الحرب وإعادة الطلاب إلى المدارس

في بيان سياسي حمل مضامين تاريخية وإنسانية، أحيت لجنة المعلمين السودانيين الذكرى الحادية والستين لثورة 21 أكتوبر 1964، مؤكدة تمسكها الراسخ بمبادئ الثورة التي نادت بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. واعتبرت اللجنة أن هذه الثورة شكلت نقطة تحول مفصلية في التاريخ السوداني والعربي والإفريقي، حيث خرج الشعب بمختلف فئاته ليواجه الحكم العسكري، وكانت “جبهة الهيئات” التي ضمت المعلمين والمهنيين والعمال والطلاب والنساء بمثابة القلب النابض والعقل الواعي للثورة، ما منحها زخمًا شعبيًا غير مسبوق.
أشارت لجنة المعلمين في بيانها إلى أن الأزمات التي أعاقت تطور السودان لا تزال قائمة حتى اليوم، رغم مرور أكثر من ستة عقود على ثورة أكتوبر. ولفتت إلى أن ضعف البناء الديمقراطي، وغياب المشروع الوطني الجامع، واستمرار تغوّل المؤسسة العسكرية على الحكم، إلى جانب استغلال الدين والعرق والانتماءات المناطقية في تقسيم الشعب، كلها عوامل ساهمت في تمزيق النسيج الوطني وإعاقة مسار التحول الديمقراطي. وأكدت اللجنة أن هذه التحديات تستدعي تجديد الالتزام بمبادئ الثورة، والعمل على بناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على العدالة والمواطنة والحرية والكرامة الإنسانية.
في سياق رؤيتها للتغيير، شددت لجنة المعلمين على أن إصلاح التعليم يمثل المدخل الحقيقي لإصلاح الوطن، معتبرة أن بناء الإنسان السوداني الحر المستنير هو الطريق نحو تحول شامل ودائم. وأكدت أن قاعات الدرس هي نقطة الانطلاق للثورة الفكرية، وأن ضمير المعلم هو مصدر نهضة الشعوب. هذا الطرح يعكس قناعة اللجنة بأن أي مشروع وطني لا يمكن أن ينجح دون إعادة بناء المنظومة التعليمية على أسس علمية وإنسانية تضمن تكافؤ الفرص وتحرير العقل السوداني من قيود التهميش والتجهيل.
في ظل الحرب المستمرة التي تعصف بالبلاد منذ أبريل 2023، دعت لجنة المعلمين إلى وقف فوري للقتال، مشيرة إلى أن استمرار النزاع يمنع الطلاب من العودة إلى مدارسهم وجامعاتهم، ويقوّض حياة المواطنين في مختلف أنحاء السودان. وأضافت اللجنة أن إنهاء الحرب هو شرط أساسي لاستعادة الحياة الطبيعية، وتمكين الأجيال من مواصلة تعليمهم في بيئة آمنة ومستقرة. هذه الدعوة تأتي في وقت تتزايد فيه المخاوف من انهيار المنظومة التعليمية بالكامل، خاصة في المناطق التي تشهد مواجهات عسكرية متواصلة.
ثورة 21 أكتوبر 1964 تُعد من أبرز المحطات التاريخية في السودان، حيث نجحت في إسقاط الحكم العسكري للرئيس إبراهيم عبود، لتصبح أول انتفاضة شعبية في العالم العربي تُطيح بنظام عسكري. وقد أرست هذه الثورة تقاليد المقاومة المدنية، وأسست لمرحلة جديدة من النضال السياسي والاجتماعي في البلاد، ما جعلها مرجعًا دائمًا للقوى الديمقراطية في السودان. لجنة المعلمين، من خلال إحيائها لهذه الذكرى، تسعى إلى إعادة إحياء روح أكتوبر في مواجهة التحديات الراهنة، وتأكيد أن إرادة الشعب السوداني لا تزال قادرة على صناعة التغيير.
اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 نتيجة خلافات حادة بين الجيش وقوات الدعم السريع حول تقاسم السلطة ودمج القوات، وسرعان ما امتدت إلى معظم الولايات، لا سيما دارفور وكردفان. وأسفرت المواجهات عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد ملايين المدنيين داخل البلاد وخارجها، وسط اتهامات متبادلة بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب. هذا النزاع المستمر جعل السودان يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفاقم من هشاشة المؤسسات، وأضعف قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم، الذي بات مهددًا بالانهيار الكامل في ظل استمرار القتال.
