تسريبات

فضيحة الأدوية الفاسدة في السودان: الجيش يوزع الموت على المدنيين


في وقت يعيش فيه السودان أسوأ أزماته الصحية منذ عقود، تفجّرت فضيحة جديدة تهزّ الضمير الإنساني، بعد تأكيدات من مصادر ميدانية وطبية تفيد بقيام الجيش السوداني بتوزيع أدوية منتهية الصلاحية على المواطنين في عدد من المناطق المنكوبة.
في بلدٍ أنهكه الحصار، ودمرته الحرب، وأرهقته المجاعة، لم تعد الأدوية وسيلة لإنقاذ الأرواح، بل تحوّلت إلى أداة جديدة للموت البطيء.

كارثة صحية تتكشف

تداولت تقارير محلية وشهادات من أطباء ومنظمات إغاثية معلومات تفيد بأن شاحنات تابعة للجيش السوداني قامت خلال الأسابيع الماضية بتوزيع كميات من الأدوية في مناطق شرق ووسط السودان، بعضها منتهي الصلاحية منذ أشهر طويلة.
وبحسب شهادات جمعتها فرق طبية مستقلة، فإن هذه الأدوية وُزعت على أنها “مساعدات إنسانية”، واستُخدمت في مراكز صحية مؤقتة أنشأها الجيش في القرى المتضررة من الحرب، دون أي إشراف من وزارة الصحة أو المنظمات الدولية.

وقال مصدر طبي من ولاية الجزيرة – فضّل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية – إنهم اكتشفوا أن بعض المضادات الحيوية التي وصلت عبر قنوات عسكرية تحمل تواريخ إنتاج تعود لعام 2020 وانتهت صلاحيتها في منتصف عام 2023. وأضاف:

“بعض المرضى أصيبوا بمضاعفات حادة بعد تناول هذه الأدوية. في ظل غياب المختبرات، لم يكن ممكناً التحقق من سلامتها مسبقاً.”

الدواء يتحول إلى سم

تؤكد تقارير طبية أن تناول الأدوية منتهية الصلاحية يشكل خطراً مباشراً على الحياة، إذ تتحلل المواد الفعالة وتتحول إلى مركبات سامة.
ويحذر الأطباء من أن الفئات الأكثر عرضة للخطر هم الأطفال، وكبار السن، ومرضى الكبد والكلى، الذين قد لا يحتملون التأثيرات الجانبية القاتلة.
في إحدى الحالات التي تم رصدها في مدينة شندي، توفيت سيدة مسنّة بعد تناول مضاد حيوي منتهي الصلاحية، فيما أصيب ثلاثة أطفال بتسمم دوائي حاد في منطقة القضارف.

غياب الرقابة… وغياب المسؤولية

الكارثة لم تكن لتحدث لولا انعدام الرقابة والمساءلة داخل المنظومة العسكرية والصحية في مناطق سيطرة الجيش.
فمنذ اندلاع الحرب، باتت معظم المستشفيات خارج الخدمة، وتم تعطيل الأجهزة الرقابية التابعة لوزارة الصحة، ما أتاح للقوات العسكرية التصرف بحرية في إدارة وتوزيع المساعدات الطبية.

يقول أحد العاملين في القطاع الصحي بولاية نهر النيل إن بعض شحنات الدواء التي دخلت السودان عبر التبرعات الخارجية لم تخضع للفحص، مضيفاً أن جهات عسكرية استولت عليها ووزعتها بطريقة غير رسمية.

“في غياب مؤسسات الدولة، أصبح الجيش هو الجهة التي تقرر من يتلقى العلاج ومن يُحرم منه، حتى وإن كان الدواء فاسداً.”

استغلال المعاناة الإنسانية

تأتي هذه الواقعة لتكشف استغلال الجيش لحاجة المواطنين إلى العلاج من أجل كسب الولاء أو الظهور بمظهر “المنقذ”.
ففي ظل انتشار أمراض قاتلة مثل حمى الضنك، الملاريا، والكوليرا، يعيش المواطن السوداني مأساة مزدوجة: المرض من جهة، والدواء القاتل من جهة أخرى.
ويرى مراقبون أن ما يجري يمثل جريمة صحية وإنسانية مكتملة الأركان، تتطلب فتح تحقيق عاجل من قبل المنظمات الدولية، خصوصاً أن بعض الشحنات الدوائية قد تكون قدمت بتمويل خارجي.

دعوات للتحقيق والمحاسبة

تطالب منظمات حقوقية سودانية ودولية بفتح تحقيق مستقل حول مصدر الأدوية المنتهية الصلاحية، وتحديد الجهات التي سمحت بتوزيعها، مع محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة بحق المدنيين.
كما دعت نقابة الأطباء السودانيين في الخارج إلى تدخل عاجل من منظمة الصحة العالمية لإرسال فرق تقييم وتقديم دعم طبي بديل وآمن للسكان المتضررين.

وقالت في بيان صدر هذا الأسبوع:

“إن ما حدث لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة ضد الإنسانية. توزيع أدوية فاسدة في مناطق منكوبة هو عمل يتجاوز الإهمال إلى حد الإبادة الصامتة.”

في بلدٍ أُنهك بالحروب والصراعات، يبدو أن الموت لم يعد يأتي فقط من الرصاص، بل من الدواء أيضاً.
القضية تتجاوز الأخطاء الإدارية، لتكشف واقعاً مريراً من الاستهتار بحياة السودانيين، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى أدوات للسيطرة السياسية والعسكرية.
ويبقى السؤال الأهم:
من سيحمي المواطن السوداني من قاتليه، إن كان من يوزع الدواء هو نفسه من يزرع المرض؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى