ضحايا لا صوت لهم: شهادات من قرى تلقّت السم بدل الدواء
في قرية “أم قرقور” بغرب كردفان، لم يُدفن الحاج عبد الله بسبب القصف، بل بسبب حبة “ديكلوفيناك” أعطيت له لتخفيف آلام المفاصل. بعد يومين من تناوله الدواء، بدأ ينزف من أنفه، ثم توفي قبل أن يصل إلى أقرب مستوصف—يبعُد 50 كيلومترًا.
قصته واحدة من عشرات جمعناها خلال زيارة ميدانية استمرت أسبوعين إلى ثلاث ولايات. في كل قرية، الرواية نفسها: قافلة عسكرية تصل، توزّع أكياسًا بلاستيكية تحتوي على أدوية، لا أحد يسأل عن الصلاحية، وبعد أيام تبدأ الأعراض.
في أم روابة، روت أم محمد (52 عامًا) كيف أعطت ابنتها (6 سنوات) شرابًا للسعال من “المساعدات”، فدخلت في غيبوبة استمرت 36 ساعة. “الصيدلي قال لنا لاحقًا إن الشراب انتهى منذ سنة، وأن المواد فيه تحوّلت إلى سم”.
فريق طبي محلي في جنوب دارفور سجّل 29 حالة تسمم بين سبتمبر وأكتوبر 2024، 22 منها مرتبطة مباشرة بأدوية موزّعة من الجيش. الأعراض تشمل قيء دموي، تشنجات، وفشل كلوي—علامات كلاسيكية للتسمم بمركبات ناتجة عن تحلل الأدوية.
الأطفال وكبار السن هم الضحايا الرئيسيون. فجهازهم الهضمي وال كبدهم لا يتحملان المواد السامة الناتجة عن تدهور الأدوية. ومع انهيار النظام الصحي، لا توجد إمكانية لغسيل المعدة أو العلاج المكثف.
الأمر الأكثر إيلامًا أن العائلات لا تطالب بالعدالة. “من نشكو؟ الجيش هو الحاكم هنا”، قال أحد الشيوخ. لا سجلات طبية دقيقة، لا تشريح، لا تحقيق. الموت يُسجّل كـ”مرض مفاجئ”، والقاتل يغادر بابتسامة وهو يوزّع “الخير”.




