أحداث

صرخات من السودان.. مدن محاصرة تواجه الجوع دون استجابة دولية


وسط تصاعد المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يكافح المدنيون المحاصرون في غرب البلاد من أجل البقاء في مدن مغلقة لا تصلها أي مساعدات إنسانية. الحرب التي دخلت عامها الثالث خلّفت عشرات الآلاف من القتلى، وأغرقت ملايين السكان في مجاعة متفاقمة، وسط انتشار الأمراض والأوبئة. في مدن مثل الفاشر وكادوقلي وديلينغ، يعيش السكان تحت حصار خانق، حيث تُمنع عنهم الإمدادات الغذائية والطبية، وتتحول الحياة اليومية إلى صراع من أجل البقاء. شهادات الناجين التي نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية ترسم صورة قاتمة عن الوضع الإنساني في هذه المناطق، وتكشف عن حجم المعاناة التي يواجهها السكان في ظل غياب أي تدخل دولي فعّال.

مأساة الفاشر

في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، لا يتوقف القصف على مدار اليوم، ما يدفع السكان إلى الاحتماء داخل ملاجئ بدائية حفروها بأنفسهم قرب المنازل. عمر آدم، أحد النازحين من مخيم أبو شوك، يصف الحياة في حي الدرجة شمال المدينة بأنها أشبه بالبقاء تحت الأرض، حيث لا مأوى آمن ولا غذاء متوفر. منذ أكثر من 500 يوم، تحاصر قوات الدعم السريع المدينة التي تضم نحو 260 ألف مدني، نصفهم من الأطفال، في ظل انعدام شبه كامل للمساعدات الإنسانية، وفق تقارير الأمم المتحدة. حتى الأعلاف الحيوانية مثل “الأمبز”، المصنوعة من قشور السمسم والفول السوداني، باتت نادرة وباهظة الثمن، إذ تجاوز سعر الجوال الواحد مليوني جنيه سوداني، ما يعادل نحو 600 دولار أميركي، وهو مبلغ لا تستطيع معظم الأسر تحمله.

مخرج واحد

صور الأقمار الاصطناعية التي حللها مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأميركية كشفت عن بناء جدار بطول 68 كيلومترًا حول مدينة الفاشر، تاركًا مخرجًا وحيدًا يخضع لابتزاز المدنيين مقابل العبور. منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، دينيس براون، أشارت إلى تقارير تفيد بوقوع عمليات قتل غير قانونية واختطاف واعتقالات تعسفية بحق المدنيين أثناء محاولتهم مغادرة المدينة. حليمة عيسى، أم لثلاثة أطفال فقدت زوجها في قصف مدفعي، تقول إن أسرتها تعتمد على “وجبة التكية”، وهي مطبخ عام يقدم الطعام المجاني، مضيفة: “حين تتوقف التكية عن العمل لا نأكل، وإذا مرض أحد الأطفال فلا علاج”. في مستشفى الفاشر، أحد المرافق الصحية القليلة التي ما زالت تعمل، يواصل طبيب مجهول الهوية عمله منذ ثلاثة أشهر دون مغادرة، وسط نقص حاد في الأدوية والمعقمات، حتى أن الشاش الطبي استُبدل بقماش الناموسيات لربط الجروح.

انهيار صحي

الطبيب الذي تحدث من داخل مستشفى الفاشر وصف الوضع الطبي بأنه كارثي، حيث تعذر تعقيم الأدوات الجراحية، وأصبح إخراج الشظايا من أجساد المصابين يتم في ظروف غير صحية. تنسيقية لجان مقاومة الفاشر، وهي مجموعة تطوعية توثق انتهاكات الحرب، وصفت المدينة بأنها “مشرحة مفتوحة تنزف من كل الجهات”، مشيرة في بيان حديث إلى أن القذائف “تنهمر كما المطر”، وتخلف أجسادًا تُنتشل من تحت الركام بلا أسماء ولا وجوه، فقط أرقام في سجل طويل من المجازر. هذا الانهيار الكامل في البنية التحتية الصحية والغذائية يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها الفاشر، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية عاجلة للتدخل.

جوع كردفان

في جنوب كردفان، تفرض قوات الدعم السريع حصارًا خانقًا على مدينة كادوقلي، حيث بات السكان يحصلون على وجبة واحدة غير كافية يوميًا، وفي كثير من الأحيان لا يجدون ما يأكلونه سوى أوراق الشجر والنباتات. هاجر جمعة، البالغة من العمر 28 عامًا، تصف الوضع بأنه “لا يُحتمل”، فيما يقول حسن أحمد، طبيب متطوع في مستشفى للأطفال، إن الناس يموتون يوميًا أمام أعينهم، وكان من الممكن إنقاذهم في ظروف طبيعية. الصيدليات شبه فارغة، والأدوية الأساسية غير متوفرة، ما يزيد من تفاقم الأزمة الصحية. منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت من أن 63 ألف طفل في جنوب كردفان يعانون من سوء تغذية حاد، ما يهدد حياتهم بشكل مباشر.

حصار ديلينغ

مدينة ديلينغ، الواقعة أيضًا في جنوب كردفان، تعاني من حصار مماثل، حيث تتضاعف الأسعار يوميًا بشكل يفوق قدرة الأسر على التحمل. مجاهد موسى، أحد سكان المدينة، يقول إن كثيرًا من السكان فروا إلى القرى المجاورة بحثًا عن ملاذ آمن، لكنهم وجدوا أنفسهم لاجئين في ظروف أكثر هشاشة. الصديق عيسى، متطوع في إحدى مجموعات الإغاثة، أفاد بأن الأجهزة الأمنية استولت على شحنة من بسكويت الأطفال كانت مرسلة من يونيسف، في إشارة إلى الجيش الذي قام ببيعها في الأسواق. كما أشار إلى احتجاز شحنة مساعدات أخرى أرسلها برنامج الأغذية العالمي، دون توزيعها على المحتاجين، ما يعكس تعقيد المشهد الإنساني وتداخل الانتهاكات بين أطراف النزاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى