تسريبات

صراع الحصص الوزارية يشعل الخلافات داخل معسكر الحركات المسلحة: جبريل يتحدّى والبرهان يتحرك لإعادة ترتيب المشهد السياسي


في خضم الأزمة السياسية والعسكرية التي يعيشها السودان، تتجدد الخلافات بين قادة الحركات المسلحة ورأس السلطة في البلاد، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وهذه المرة حول “حجم” المكاسب السياسية الممكنة في ظل التغيّرات الميدانية والمعطيات الإقليمية الجديدة. فقد كشفت مصادر مطلعة عن اتصالات مباشرة أجراها “البرهان” مع قيادات بارزة في الحركات المسلحة، وعلى رأسهم جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة. ومني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، أبلغهم خلالها بقرار واضح: لا أكثر من وزارة واحدة لكل فصيل في الحكومة المرتقبة.

هذه الرسالة لم تأتِ في سياق تفاوضي تقليدي، بل جاءت في لحظة حرجة، تتطلب إعادة هيكلة شاملة للسلطة الانتقالية بعد تآكل ثقة الشارع في مبدأ المحاصصة، وبعد أن أصبح تمثيل الحركات في الحكومة عبئًا أكثر منه مكسبًا. لكن الموقف الذي أبداه البرهان لم يمر بهدوء. فقد فجّر موجة جديدة من التوترات داخل معسكر الحركات، خاصة مع رفض جبريل إبراهيم المطلق لهذا العرض. واشتراطه الحصول على وزارتين على الأقل — المالية والرعاية الاجتماعية — لضمان مشاركة حركته في الحكومة المقبلة.

البرهان يحسم: لا مزيد من الامتيازات

وفقًا لمصادر سياسية وأمنية رفيعة، فإن البرهان اتخذ هذا الموقف مدفوعًا بعدة اعتبارات، أبرزها:

  1. الضغوط الشعبية والدولية: هناك إدراك متزايد بأن المحاصصة التي منحت الحركات المسلحة حصصًا غير متكافئة في السلطة بعد اتفاق جوبا لم تُسهم في استقرار البلاد، بل ساهمت في تفاقم الفشل الإداري وزيادة التنافس الفصائلي داخل أجهزة الدولة.

  2. تراجع النفوذ العسكري للحركات: كثير من هذه الحركات لم تعد تملك ثقلًا ميدانيًا حقيقيًا في الحرب الدائرة، ووجودها داخل الحكومة أصبح يعتمد فقط على الاتفاق السياسي. ما يجعل استمرارها في حصد أكثر من وزارة أمرًا غير مبرر في نظر المؤسسة العسكرية.

  3. الاستعداد لتشكيل حكومة تكنوقراط: البرهان بات ميالًا إلى تشكيل حكومة مصغّرة بوزارات محدودة ذات طابع تقني، وهو ما يتطلب تقليص تمثيل القوى السياسية والمسلحة.

جبريل يتشبّث… ومناوي يناور

في المقابل، أبدى مني أركو مناوي مرونة واضحة. حيث أشارت المعلومات إلى أنه في طريقه لقبول عرض البرهان. فمناوي، الذي يواجه هو الآخر تراجعًا في نفوذه، خاصة في دارفور. اختار التماهي مع توجهات السلطة لتأمين وجود سياسي طويل الأمد. ويرى مراقبون أن مناوي يحاول بهذه الخطوة أن يميّز نفسه عن جبريل، ويُقدّم نفسه كـ”شريك مرن” في مستقبل السودان السياسي. الأمر الذي قد يفتح له أبواب التمدد السياسي في ظل الانهيارات التي طالت تحالف قوى الحرية والتغيير وبعض مكونات “جوبا”.

أما جبريل إبراهيم، فقد اختار التصعيد، وأبلغ البرهان، بحسب مصادر مقربة. بأن مشاركته في الحكومة مشروطة بحصوله على وزارة المالية — التي يديرها منذ سنوات — إلى جانب وزارة إضافية. معتبرًا أن حركته تملك “ثقلًا نوعيًا” في الدولة ولا يمكن معاملتها على قدم المساواة مع باقي الحركات.

البرهان يشهر “ورقة جوبا”

أمام تصلب جبريل، لم يتردد البرهان في فتح مسار ضغط جديد. عبر تكليف الاستخبارات العسكرية بالتواصل مع الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا لإعادة النظر في نسب تقاسم السلطة المنصوص عليها في الاتفاق. هذه الخطوة تهدف بوضوح إلى كسر احتكار جبريل للحصة الأكبر من الامتيازات. وتفكيك أي جبهة سياسية قد تتشكل ضده في حال استمر الرفض.

وبحسب تسريبات من داخل الجهاز السيادي، فإن البرهان يسعى إلى إقناع بعض الفصائل الصغيرة ضمن اتفاق جوبا بالدخول في الحكومة مقابل تعديل نسب التمثيل لصالحها. بما يسحب البساط من تحت قدمي جبريل. هذه المناورة تهدف إلى خلق توازن سياسي جديد يعزل المتصلبين ويمنح البرهان هامش تحرك أكبر في اختيار فريق حكومي قادر على تنفيذ المهام العاجلة. وعلى رأسها وقف الحرب، وإعادة بناء المؤسسات.

مستقبل السلطة… بدون جبريل؟

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن السيناريو الأقرب هو تشكيل حكومة جديدة دون مشاركة جبريل إبراهيم، ما لم يُقدّم تنازلات في الساعات الأخيرة. لكن غيابه المحتمل عن المشهد لن يمر بدون تداعيات:

السودان اليوم أمام لحظة سياسية مفصلية، تُمتحن فيها إرادة التغيير وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية لا فصائلية. والبرهان، رغم الانتقادات التي تطاله، يبدو عازمًا على إعادة توزيع أوراق السلطة بشكل لا يُبقي على امتيازات الماضي. وإذا لم يُدرك قادة الحركات المسلحة. وعلى رأسهم جبريل إبراهيم، أن لحظة الحقيقة قد حانت، فإنهم قد يجدون أنفسهم خارج معادلة الحكم الجديدة. وربما خارج اللعبة السياسية برمتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى