تحقيقات

سقوط الفاشر يربك المشهد السوداني… مؤشرات على صفقة بين الجيش والدعم السريع؟


سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، تمثل نقطة تحول استراتيجية في مسار الحرب السودانية، وتفتح الباب أمام تحولات سياسية وعسكرية أوسع في الإقليم المضطرب.

سقوط استراتيجي

أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، كبرى مدن إقليم دارفور، مؤكدة استيلاءها على مقر الفرقة السادسة مشاة، الذي كان يُعد آخر معقل للجيش السوداني في الإقليم. ورغم أن سقوط المدينة كان متوقعاً منذ أسابيع، فإن الإعلان الرسمي عن السيطرة أثار تساؤلات عميقة حول مصير القوات الحكومية في المدينة، وما إذا كانت قد انهارت فعلياً تحت ضغط الحصار والمعارك المتواصلة.

بداية الحصار

بدأت قوات الدعم السريع تطويق مدينة الفاشر في العاشر من مايو/أيار 2024، محكمة الحصار من الجهات الأربع، متهمة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش بخرق تعهداتها السابقة بعدم الانخراط في الحرب. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلنت حركتا جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، إلى جانب فصائل أخرى، تخليها عن الحياد وانضمامها للجيش في مواجهة الدعم السريع، بعد أشهر من التزامها الحياد منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023. وأوضح مناوي، حاكم إقليم دارفور، أن هذا التحول جاء نتيجة تصاعد الانتهاكات التي وصفها بأنها ترقى إلى “إبادة جماعية”، ما دفعه إلى إعلان الانحياز للجيش والانتقال إلى بورتسودان.

خنق المدينة

مع حلول مايو 2024، فرضت قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على الفاشر، أغلقت خلاله الطرق ومنعت دخول البضائع والمساعدات، ما أدى إلى أزمة إنسانية خانقة ونقص حاد في الغذاء والدواء والوقود. تحولت المدينة إلى جزيرة معزولة بلا اتصالات أو إمدادات، فيما كانت المعارك تدور على أطرافها بشكل يومي. محاولات الجيش لإيصال الإمدادات عبر الإسقاط الجوي باءت بالفشل، بعد أن أسقطت الدفاعات الجوية للدعم السريع عدداً من الطائرات، وتمكنت لاحقاً من تحييد سلاح الجو، ما مهد الطريق لتقدم الدعم السريع تدريجياً نحو مواقع الجيش داخل المدينة.

انهيار تدريجي

بحسب مصدر ميداني تحدث عبر منصة الناشط محمد خليفة، فإن الأيام الأخيرة قبل سقوط المدينة شهدت معارك عنيفة في محاور متعددة، مهدت للهجوم النهائي على مقر الفرقة السادسة مشاة. وأوضح أن القوة المتبقية داخل المقر لم تكن كبيرة، وأن السيطرة الفعلية للدعم السريع بدأت منذ سبتمبر/أيلول، حين وصلت قواته إلى الشريط الفاصل عند سلاح المهندسين والسلاح الطبي، وبدأت تضييق الخناق على مقر الفرقة. وأضاف أن الدعم السريع اخترق مواقع استراتيجية مثل معسكر نيفاشا، ومخيم أبو شوك، وحي الدرجة، ومبنى اليوناميد، وبيت الضيافة، ووزارة المالية، وبيت حاكم الولاية، ما أدى إلى تقلص مساحة سيطرة الجيش إلى نحو ثلاثة كيلومترات مربعة فقط بحلول أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن تسقط بالكامل.

انسحاب محدود

أفاد المصدر ذاته بأن قادة الجيش والقوة المشتركة توصلوا إلى قناعة بعدم إمكانية إيصال الدعم إلى القوات المحاصرة، وبدأوا مشاورات بشأن الانسحاب، لكنها لم تكتمل بسبب غياب الضمانات. وأوضح أن القادة انسحبوا إلى مواقع في المحور الغربي، بينما انسحبت بقية القوات إلى منطقة تقل مساحتها عن كيلومترين مربع، وتم توجيه المتطوعين العسكريين إلى منطقتي طويلة وكورما، حيث تعرض بعضهم للتصفية، بينما تمكن آخرون من النجاة. ورغم أهمية الحدث، لم يصدر الجيش أو القوة المشتركة أي بيان رسمي، في حين اعترف مناوي بسقوط المدينة عبر منصة “إكس”، مؤكداً أن ذلك لا يعني التخلي عن مستقبل دارفور لصالح “جماعات العنف أو مصالح الفساد”.

تداعيات محتملة

يرى محللون أن سقوط الفاشر يمثل تحولاً استراتيجياً في مسار الحرب السودانية، إذ كانت المدينة آخر معاقل الجيش في دارفور، وسيطرة الدعم السريع عليها تعني بسط نفوذها على كامل الإقليم. ويخشى مراقبون من أن تتجه قوات الدعم السريع شرقاً لاستعادة مناطق سبق أن انسحبت منها، ما قد يفتح الباب أمام تحولات سياسية وعسكرية جديدة في البلاد. وبذلك، تُطوى صفحة من أكثر فصول الحرب السودانية مأساوية، إذ تحولت الفاشر، التي صمدت لعام كامل تحت الحصار والقصف، من رمز للمقاومة إلى شاهد على الانهيار والخذلان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى