رمطان لعمامرة.. مبعوث أممي على مسافة واحدة من طرف واحد!

في ظل الحرب المدمرة التي تعاني منها السودان وتعدد المبادرات المحلية والدولية، يبرز اسم رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، كواحد من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في الفترة الأخيرة.
بدلاً من أن يتخذ دور الوسيط المحايد، تزداد الاتهامات الموجهة للعمامرة بالتحيز الواضح لصالح السلطة الانقلابية في بورتسودان، مما اعتُبِر انتكاسة في مسار الوساطة الأممية وتحولًا خطيرًا عن المهام الموكلة للبعثة التي كان ينبغي أن تبقى على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
تبنٍ أعمى لحكومة بلا شرعية
تحدثت مصادر دبلوماسية لصحيفة “أفق جديد” عن تحركات المبعوث الأممي في أزمة السودان، مشيرة إلى أن لعمامرة يسعى للترويج لخطة الحكومة الانقلابية بقيادة عبد الفتاح البرهان كخطة لإنهاء الحرب، في حين أنه يتجاهل أن هذه الحكومة قد تم فرضها بالقوة، وتم تجميد عضويتها في الاتحاد الإفريقي.
وأضافت المصادر: “بدلاً من أن ينفتح لعمامرة على القوى المدنية التي تعارض الانقلاب، قرر تحسين صورة المجلس السيادي برئاسة عبد الفتاح البرهان، مما يعدّ انحرافًا كبيرًا عن واجباته كمبعوث أممي”.
ضغوط خلف الكواليس
أفادت معلومات حصلت عليها “أفق جديد” بأن فريقًا مرتبطًا بالمبعوث الأممي قد وصل إلى أديس أبابا لعقد اجتماعات مع سفراء الدول الإفريقية، بهدف إقناعهم بإعادة السودان إلى الاتحاد الإفريقي.
استند الوفد الأممي إلى ادعاءات تفيد بأن البرهان أسس “حكومة مدنية” يرأسها كامل إدريس، وتعهد بإبعاد جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم.
لكن هذه التحركات، وفقًا لمصادر دبلوماسية، واجهت شكوكًا كبيرة، نظرًا لأنها تكرار لمناورات سابقة تهدف إلى تفكيك العزلة الدولية من خلال وعود لا تغير من جوهر السلطة الانقلابية.
بعثة فقدت البوصلة
تزداد المطالب في الأوساط السودانية لإعادة تقييم دور عمامرة أو حتى إقالته، وذلك في ظل الاتهامات بأنه أصبح يتصرف كناطق غير رسمي باسم حكومة الأمر الواقع بدلاً من أن يكون وسيطًا.
يقول محمد الفكي سليمان، العضو السابق في مجلس السيادة، لـ “أفق جديد”: “لم يحقق لعمامرة أي تقدم ملحوظ(..)، بل أصبح جزءًا من أحد معسكرَي النزاع”.
ويتساءل: “هل بإمكانه الإجابة على سؤال بسيط: من التقى من قوى الثورة؟ وماذا سمع منهم؟”.
تفويض محدود أم أداء منحاز؟
يعتبر يوسف عزت، المستشار السياسي السابق لقائد قوات الدعم السريع، أن لعمامرة ليس مبعوثًا رسميًا من الأمم المتحدة بتفويض من مجلس الأمن، بل هو مجرد مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ولا يمتلك أي صلاحيات تنفيذية.
وأضاف: “هو أقرب إلى كونه فاعل خير، ولا يمتلك وسائل الضغط أو التأثير”.
يرى عزت أن تعاطي لعمامرة مع الأزمة السودانية كان محصورًا في إدارتها دون إيجاد حل لها، كما أنه لم يقدم أي مبادرة شاملة، واكتفى بمحاولة غير ناجحة لجمع الطرفين في جنيف.
رؤية غير مكتملة وتواصل مبتور
يُعبر القيادي في قوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني عن تقييمه لأداء لعمامرة بأنه “ضعيف وغير منظم”، مشددًا على أن المشاورات التي قام بها لم تسفر عن نتائج واضحة.
يشير مدني إلى تجاهل القوى الديمقراطية والتركيز على الحكومة الحالية، مما زاد من الشعور بالانحياز.
يعتقد القيادي في الحزب الاتحادي الأصل حاتم السر أنه ينبغي إجراء تقييم هادئ لأداء لعمامرة، معبرًا عن إشادته بخبرته في المجال الدبلوماسي.
يرفض السر تقييمات “الانحياز”، مشيراً إلى أن “القوى السياسية تتحمل أيضاً جزءًا من المسؤولية عن الانقسامات وعدم قدرتها على تقديم بديل موحد”.
خارطة بلا طريق
تمثل “خارطة الطريق” التي اقترحها البرهان لتشكيل حكومة انتقالية، واحدة من أبرز نقاط الخلاف بشأن دور الأمم المتحدة في الأزمة السودانية.
يؤكد الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان في حديثه أن خارطة الطريق تمثل “مشروعًا لتعزيز سلطة البرهان”.
يرى القيادي في القوى المدنية مدني عباس مدني أنها ليست حلاً، بل مجرد صفقة تجميلية للسلطة تشبه تلك التي لم تنجح سابقًا.
من جهة أخرى، يذكر حاتم السر أن “الخارطة تحتوي على بُعد فني لحل النزاع العسكري، ويجب أن تتبعها عملية سياسية حقيقية تحت قيادة رئيس الوزراء كامل إدريس”.
يقول المستشار السابق لقائد الدعم السريع يوسف عزت: “إن خطة الطريق ليست سوى نسخة مكررة من حوار الوثبة، ولا تحمل أي شرعية”.
فشل في التنسيق وغياب للمبادرة
يشير محمد الفكي سليمان إلى عدم وجود تنسيق، حيث قال: “لم يتواصل لعمامرة مع القوى المدنية أبداً”.
يشير مدني عباس إلى أن مشاورات البعثة لم تُسفر عن رؤية مشتركة أو توحيد للمنصات الموجودة.
بينما يُشير شريف محمد عثمان إلى أن لعمامرة “كان غائبًا عن كل شيء”، مما أدى إلى ترك الساحة للصراعات الإقليمية والدولية.
من جانبه، يبرز يوسف عزت أن عدم التنسيق مع الجامعة العربية والمنظمات الإفريقية يجعل دور لعمامرة “غير ذي تأثير”.
بينما يدافع القيادي الاتحادي حاتم السر عن وجود تنسيق مع المبعوث الأممي رمطان لعمامرة، واصفًا إياه بأنه “تنسيق رفيع المستوى”.
بعثة فقدت ثقة السودانيين
تتفق تعليقات القيادات المدنية على أن رمطان لعمامرة لم يتمكن من أداء مهمته بنجاح سواء من الناحية السياسية أو الإنسانية، حيث تتعدد السلبيات المرتبطة به في الملف السوداني، ومنها “الانحياز لطرف معين، ضعف المبادرة، وافتقار التنسيق”.
أثارت هذه الانتقادات دعوات واضحة لإقالته من منصبه واستبداله بمبعوث يتمتع بمزيد من الاحترافية والحيادية.
في السودان اليوم، وسط انتشار الجوع والخراب الذي يهيمن على أي حديث عن السلام، لا تزال بعثة الأمم المتحدة تطالب بالحصول على إجابات.
هل ستواصل الأمم المتحدة دعم بعثة فقدت استقلاليتها، أم ستتيح الفرصة لمُنسّق جديد لا يستمع لأحد؟
