تحقيقات

رمطان لعمامرة.. الوسيط الذي اختار صف الجيش؟


من منظور بعض القوى المدنية، يسهم أسلوب عمل المبعوث الأممي في توفير فرصة مهمة للأطراف المتحالفة مع الجيش لتعزيز قرارهم بمواصلة الحرب.

سلط مجموعة من السياسيين السودانيين الضوء على تراجع دور الأمم المتحدة في القضية السودانية منذ إنهاء مهمة البعثة الأممية التي تم تشكيلها بطلب من حكومة الثورة، وكذلك تعيين المبعوث الأممي الحالي الجزائري رمطان لعمامرة، دون أن يساهم ذلك في تحسين الوضع الراهن.
قدمت 103 شخصيات سودانية، تشمل أكاديميين ودبلوماسيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان وزعماء أحزاب سياسية، مذكرة مفتوحة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. واحتوت المذكرة على تعليقات حول ضعف أداء لعمامرة، حيث اتهموه بالتحيز لصالح الجيش واعتناق أفكاره، مع تجاهل الأطراف الأخرى الفاعلة في الساحة السياسية. وطالبوا بتعيين مبعوث جديد يكون لديه مهارات تفاوضية قوية وقدرة على التواصل الفعّال مع جميع الأطراف السودانية.
أشارت المذكرة إلى أن توجهات الأمم المتحدة المتعلقة بالحرب تشوبها أخطاء، وأن العديد من القوى السودانية فقدت ثقتها في المنظمة الدولية. واستمر لعمامرة في منصبه دون أن يقدم خطة واضحة لإنهاء النزاع، حيث اعتبر البعض أن تقاربه مع بعض الأطراف السياسية قد أضعف جهود الأمم المتحدة في تحقيق توافق بين القوى السودانية المختلفة.
وجاءت المذكرة بعد أن رحبت الأمم المتحدة بقرار قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان بتعيين رئيس وزراء مدني (كامل إدريس) الذي يعمل حاليا على تشكيل حكومة جديدة. وفي المقابل، رفضت القوى المدنية الاعتراف بهذه الخطوة واعتبرتها غير متوافقة مع الإطار السياسي والدستوري منذ بدء الثورة السودانية والإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، وسط مخاوف من أن تعزز هذه الخطوة سلطة الأمر الواقع، حيث ترى القوى المدنية أنها تمت الإطاحة بالحكومة التي شكلتها بعد الثورة.
لا يمكن فصل المذكرة عن الانتقادات المستمرة التي يوجهها السودانيون للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشأن كيفية صياغة مهام التعامل مع الحرب المستمرة في السودان، مما يدفعهم لوصفها بـ “الحرب المنسية”، وهو ما يعكس رغبتهم في أن تحظى قضيتهم ببعض الاهتمام من المجتمع الدولي في ظل الصراعات المتزايدة في المنطقة.
يأتي ذلك في ظل إدراك صعوبة تحقيق حل سياسي بسبب تعقيدات الحرب وتفكك القوى السياسية والعسكرية بين فصائل مختلفة، حيث تمتلك كل فصيلة رؤية متباينة حول الحل في السودان، بالإضافة إلى وجود رغبة لدى الأطراف المتنازعة في‏ إطالة أمد الصراع‏.
من منظور بعض القوى المدنية، فإن أسلوب عمل المبعوث الأممي يتيح للأطراف المتحالفة مع الجيش، والتي تتكون في الغالب من مجموعات مسلحة ترتبط ببقايا النظام السابق من الإسلاميين، فرصة قيمة لتعزيز قرار الاستمرار في الحرب.
يساعد هذا في الضغط على بعض قادة الجيش الذين يرغبون في إنهاء الحرب، دون أن يترتب على ذلك انقسامات تؤثر على تماسك هذا المعسكر أو تضعفه في مواجهة قوات الدعم السريع. مما يجعل الانتقادات موجهة مباشرة إلى المبعوث الأممي، الذي لم يحافظ على التواصل مع القوى المدنية، على عكس سلفه الألماني فولكر بيرتس.
قال السياسي والمحامي السوداني المعز حضرة إن لعمامرة لم يؤدِ دوره كما ينبغي، حيث انحاز إلى جانب الجيش ولم يلتقِ بالقوى الفاعلة. كما رحب بتعيين رئيس وزراء جديد دون موافقة القوى المدنية، التي تُعتبر صاحبة الحق الأساسي في أي خطوة سياسية. وأشار إلى أنه خالف مبدأ الحياد، الذي أدى إلى إفشال دور الأمم المتحدة في العديد من الدول التي سعت فيها لإيجاد حلول سياسية. وذكر أنه كان يجب على القوى المدنية والناشطين إرسال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة للتأكيد على أنه اختار شخصًا غير مؤهل لهذه المهمة.
أوضح لـ”العرب” أن القوى المدنية لا تتوقع الكثير من الأمم المتحدة في ظل انشغال العالم بالتطورات الإقليمية المتسارعة، خاصة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران. ورغم ذلك، لا يمنع هذا من إرسال رسالة احتجاجية حول الأداء الأممي في الأزمة السودانية. وكان من المتوقع الاستمرار على النهج الذي اتبعه فولكر، الذي لعب دوراً مهماً في جمع القوى السياسية والمكون العسكري على طاولة المفاوضات عدة مرات.
برز دور الأمم المتحدة في السودان منذ تأسيس البعثة المتكاملة لتقديم المساعدة السياسية خلال الفترة الانتقالية تحت اسم “يونيتامس”، والتي كان من المقرر أن تنتهي مهمتها في الثالث من ديسمبر 2023. ومع ذلك، قامت الحكومة السودانية بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بقرارها إنهاء مهمة البعثة في سبتمبر من نفس العام.
اعتبرت المبعوثة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، الألماني فولكر بيرتس، شخصاً غير مرغوب فيه، وطالبت بإقالته متهمة إياه بالتحيز والتدخل في شؤون السودان، قبل أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بإصدار قرار بتعيين الجزائري رمطان لعمامرة.
لم يؤدي لعمامرة دوره المتوقع وانحاز إلى جانب الجيش، كما أنه لم يلتقِ بالقوى الفاعلة، ووافق على اختيار رئيس وزراء جديد دون رضا القوى المدنية.
واتهم الخطاب لعمامرة بالتقصير في مواجهة استخدام أطراف النزاع للوضع الإنساني كسلاح في القتال، وعدم الضغط لوقف الحرب لحماية المدنيين وتقديم المساعدة لهم. كما انتقد ما وصفه بـ “التماهي مع وجهة نظر الجيش ودعمه لها، وتبنيه لشعارات حماية مؤسسات الدولة وترويجه لخطة عمل قد تمهد لتقسيم البلاد”.
انطلقت جهود الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد نحو تحقيق توافق بين الفرقاء السودانيين، لتسهيل بدء عملية سياسية، لكنها واجهت صعوبات بعد مجموعة من المشاورات. وقد ركز المبعوث الأممي الحالي جهوده على التنسيق بدلاً من التوسع، وأشار بشكل متكرر إلى “تزايد الوساطات” في القضية السودانية وكأنها أزمة قائمة بحد ذاتها.
وقد أسس المجموعة التشاورية لتنسيق المبادرات التي شملت الفاعلين من المنظمات الإقليمية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الدول التي تدعم مبادرات السلام المتعلقة بالسودان. يهدف هذا الجهد إلى تحقيق توازن دبلوماسي يعيد ترتيب الأولويات ويجمع الأهداف نحو إنهاء الحرب. ومع ذلك، لم تنجح الجهود في توحيد جميع المبادرات تحت مبادرة واحدة وقوية.
وأوضح القيادي في تنسيقية “صمود” اللواء كمال إسماعيل أن المشكلة تكمن في أن رمطان لعمامرة اختار مسار الانحياز، مما أثر سلبًا على قدرته في توحيد المجموعات السياسية على طاولة واحدة، ولم يقدم أي إنجاز ملحوظ للقضية السودانية. ويمتلك المجتمع السوداني الحق في التعبير بوضوح عن عدم ثقته في قدرة هذا الرجل السياسية لتجديد استمراره في منصبه.
ذكر لـ”العرب” أنه على الرغم من تصاعد حدة الصراع وما يرافقه من انتهاكات وقتل ونزوح ولجوء، إلا أن رد فعل المنظمة الأممية كان ضعيفًا، وفي العديد من المبادرات الإقليمية والدولية لم تبد الأمم المتحدة جديتها في الضغط لتحقيق النجاح، بينما يدرك السودانيون أن الحل يجب أن يأتي من داخل البلاد، ومع ذلك لم يتم دعم هذا النجاح بالشكل المناسب.
تزامن خطاب الأمين العام للأمم المتحدة مع التحضيرات لتجميع أكبر عدد ممكن من القوى المدنية السودانية في تحالف واحد. حيث يسعى تحالف “تضامن”، الذي يضم عددًا من الأفراد المتقاعدين من العسكريين والأمنيين والسياسيين، إلى توحيد جهود القوى المدنية من أجل تقديم حل سوداني-سوداني، مع ضرورة الحصول على دعم دولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى