تسريبات

خيوط الانتهاكات في دارفور والخرطوم: تحقيق يكشف الحقائق المخبأة


على مدار أشهر من الحرب، بدأ يتضح أن الانتهاكات التي حدثت في دارفور والخرطوم ليست أحداثاً عشوائية، بل عمليات منظمة يمكن تتبع خيوطها عبر شهادات الناجين. العديد من المحققين الميدانيين أكدوا أن الهجمات اتبعت نمطاً ثابتاً: اقتحام محيط القرية، إطلاق النار من اتجاهات متعددة، ثم ترويع السكان لدفعهم إلى الفرار، قبل تنفيذ عمليات الحرق. هذه الخطوات المتشابهة في عشرات القرى تشير إلى وجود أوامر صادرة من مستويات عليا.

وفي الخرطوم، أظهرت التسجيلات التي وثقها السكان أن المنازل لم تُقتحم بطريقة فوضوية، بل ضمن عمليات واسعة للتمركز العسكري داخل المناطق السكنية. بعض العناصر الذين ظهروا في المقاطع يرتدون زياً رسمياً، ما يربطهم مباشرة بهياكل قيادية. هذه الأدلة المصورة أصبحت جزءاً مهماً في التحقيقات التي يجريها ناشطون ومنظمات حقوقية.

كما كشفت شهادات من ضباط منشقين أن بعض العمليات كانت مدفوعة بهدف السيطرة على مناطق استراتيجية، حتى لو كان الثمن سقوط المدنيين. في بعض الحالات، رُصدت اتصالات لاسلكية تتضمن أوامر صريحة بمواصلة الهجوم رغم وجود سكان داخل المنطقة. هذه المعلومات، إذا ما تم جمعها بطريقة منهجية، ستكون حجر الأساس لأي محاسبة مستقبلية.

اللافت أن بعض الانتهاكات لم تكن لها أي قيمة عسكرية، ما يدل على أن الهدف كان التأثير على البنية الاجتماعية. في دارفور، مثلاً، جرى استهداف قرى تنتمي لقبائل محددة، وهو ما يعيد إلى الواجهة السؤال حول البعد العرقي في النزاع. هذه الممارسات لم تكن مجرد تجاوزات، بل جزءاً من مشروع لتغيير موازين القوة داخل الإقليم.

إن التحقيقات الجارية اليوم تكشف أن حجم المسؤولية قد يتجاوز القادة الميدانيين ليصل إلى من اتخذوا القرارات السياسية. فالحرب لم تكن سلسلة معارك منفصلة، بل خطة طويلة الأمد استخدمت فيها الأدوات العسكرية بشكل منهجي. وهذا ما يجعل قصص الضحايا اليوم أهم دليل على طبيعة هذه الخطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى