حميدتي يقود دارفور للسلام.. التفاصيل
بيان الموفد الرفيع لقوات الدعم السريع يؤكد على ضرورة التحرك نحو السلام في السودان ومنطقة دارفور. في الوقت نفسه، قائد كبير بالجيش السوداني يحذر من تدخل قوات حفظ السلام من شرق أفريقيا ويرفض فكرة تصفية تلك القوات. الصراع الدائر بالبلاد يشكل تحديًا للمجتمع الدولي، ويتطلب جهوداً مشتركة لإنهائه وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وتعكس هذه المواقف المتباينة أن السودان يقف بين مسارين الأول يقوده قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي يعمل على وضع خارطة طريق لمنع انجرار إقليم دارفور نحو الاقتتال الداخلي وإحلال السلام في السودان بأكمله، والثاني تمثله القوات المسلحة السودانية التي ترفض أي مبادرة لإنهاء الحرب مادامت لم تحقق أي تقدم ميداني على الأرض لتذليل الهزائم الثقيلة المتلاحقة التي منيت بها طيلة ثلاثة الأشهر الماضية، وسط انشقاقات متتالية في صفوفها تظهر تراجع ثقة الجيش السوداني بقيادته الحالية، كما تؤشر إلى تحول في اتجاهات للحرب لصالح قوات الدعم السريع.
وأدلى يوسف عزت موفد قوات الدعم السريع والمستشار السياسي لقائدها بهذه التصريحات خلال إجرائه محادثات في توغو في غرب أفريقيا وسط جهود لمنع انزلاق منطقة دارفور إلى مزيد من الاقتتال.
وصرّح عزت لوكالة الصحافة الفرنسية على هامش محادثاته في لومي “نحن على استعداد للمشاركة في أي نوع من الاجتماعات لإحلال السلام والجمع بين الناس ووقف الحرب في دارفور وفي السودان”.
وأضاف “لذلك هذا هو الوقت المناسب من أجل إنهاء الحرب وبدء مستقبل جديد للشعب السوداني: السلام والتنمية والمساواة. هذا ما نبحث عنه وأعتقد أن الوقت قد حان لتحقيق السلام في السودان”.
ومحادثات توغو جاءت بمبادرة من قائد قوات الدعم السريع لتحييد إقليم دارفور عن تداعيات الحرب في السودان، إذ يتمتع حميدتي بنفوذ في إقليم دارفور يمكنه من لعب دور قيادة مبادرات تجنب الإقليم العودة إلى مربع التوتر.
كما جاءت مبادرة حميدتي في وقت يعمل فيه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على استمالة الحركات المسلحة في دارفور وفي ظل مساعيه لاستقطابها للانضمام إلى صفوفه. ومنذ انطلاق الصراع بين القوتين العسكريتين في منتصف أبريل الماضي، تصاعدت المخاوف من تفجر الوضع في دارفور، لاسيما أن الإقليم شهد خلال السنوات الماضية اشتباكات قبلية متقطعة.
وتشهد مناطق غرب دارفور التي رزحت تحت وطأة حرب دامية في العقد الأول من القرن الحالي، أسوأ أعمال العنف مع اندلاع الحرب الجديدة.
وقال نوري عبدالله الذي ينتمي لفصيل متمرد رئيسي في دارفور إن محادثات توغو تهدف إلى وضع خارطة طريق تمهد لوقف تمدد العنف في المنطقة.
وأضاف “إنها حالة فوضى الآن لكن لم تتوسع إلى حرب أهلية شاملة. هذا ما نحاول تفاديه”.
وأكد “لهذا السبب وضعنا خارطة طريق وخطة عمل حيث يمكننا المتابعة من خلال ذلك والعمل مع قادة المجتمع الآخرين في المنطقة وداخل دارفور وحتى في السودان نفسه”.
وأشار إلى أن اجتماع لومي بحث أيضا سبل إعادة فتح مطار الجنينة في دارفور ووضعه تحت سيطرة قوات الدعم السريع بهدف جلب المساعدات الإنسانية.
وانتشرت تقارير صادمة ومثيرة للقلق مؤخرا حول أعمال العنف الدائرة في إقليم دارفور غرب السودان، الذي لم يشف تماما بعد من آثار الحرب الأهلية الدموية التي شهدها في 2003. وتحدثت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية عن أعمال قتل واغتصاب في بعض مدن الإقليم، خاصة الجنينة التي وصفتها بأنها الأكثر عرضة للدمار.
وفتح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تحقيقا بشأن أحداث العنف في دارفور بعد دعوات من منظمات حقوقية للتحقيق في تقارير عن حالات نهب وعنف جنسي واحتدام الصراعات العرقية.
وفي وقت سابق، رفض مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن ياسر العطا بشدة مبادرة تقودها كينيا لإرسال قوات حفظ سلام من شرق أفريقيا، للمساعدة في إنهاء الصراع الدائر بالسودان.
وأشار العطا في مقطع فيديو نشر الإثنين إلى أن أياً من هذه القوات لن يعود لبلده على قيد الحياة، وتلقى الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي يقاتلها عديداً من عروض الوساطة الدولية، لكن لم ينجح أي منها في وضع حد للقتال أو حتى وقفه بشكل كبير.
وكانت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، وهي تكتل إقليمي لشرق أفريقيا يضم كينيا في عضويته، قد اقترحت خلال قمة جرى عقدها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أبابا في النصف الأول من الشهر الجاري، مبادرة تشمل نشر قوات حفظ سلام في العاصمة السودانية الخرطوم.
ورفض الجيش السوداني مراراً المبادرة التي تقودها كينيا، بدعوى أنها تدعم قوات الدعم السريع. وقال إنه سيعتبر أي قوات حفظ سلام أجنبية قوات معادية.
وقال مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن ياسر العطا في تصريحات للجنود “قوات شرق أفريقيا خلّوها في محلها… (تريد) تجيب الجيش الكيني تعالى”، وأقسم على عدم عودة أي من هذه القوات.
كما ذهب إلى القول بأن دولة ثالثة هي التي دفعت كينيا لطرح هذه المبادرة، دون أن يذكر هذه الدولة بالاسم.
وقال كورير سينج أوي وزير الشؤون الخارجية الكيني لرويترز “هذا التصريح لا يستحق تعليقا منا” مضيفا أن الاتهامات لا أساس لها من الصحة وإن بلاده محايدة.
وتابع “بالإصرار على أن السلام الدائم لن يتحقق إلا من خلال إشراك الأطراف المدنية في أي عملية وساطة والدعوة إلى المساءلة عن الأعمال الوحشية، فقد يجد البعض في السودان صعوبة في قبول هذه المبادئ”.
ويواصل الفرقاء المدنيون اليوم الثلاثاء اجتماعاتهم في القاهرة لمناقشة السبل السياسية لإنهاء الحرب الجارية بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي تجاوزت مئة يوم منذ اندلاعها في سياق مسعى دعم فرص العودة إلى الخيار المدني في السودان.
وقال المتحدث الرسمي للحرية والتغيير جعفر حسن عن الاجتماع الموسع، إنه ناقش الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، خلال الأزمة، بالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية ونزوح الملايين.
وأوضح متحدث الحرية والتغيير، أن الاجتماع ناقش ورقة سياسية، حول رؤية الحرية والتغيير “لإنهاء الحرب، وإحلال السلام، واستعادة المسار المدني الديمقراطي وتماسك ووحدة الدولة السودانية”.
وأشار إلى أن اليوم الثلاثاء ستتواصل الجلسات، لمناقشة الورقة الاقتصادية “والتي ستتضمن مرحلة ما بعد الحرب وإعمار السودان، وآلية تعويض المتضررين”.
وقُتل 16 شخصا على الأقل اليوم الثلاثاء في حي أمبدة في أم درمان غرب الخرطوم الكبرى إثر قصف مدفعي وجوي طال منازل، بحسب لجنة شعبية، فيما تواصلت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان.
وأكد بيان لجنة مقاومة حي أمبدة أن “16 من المواطنين العزل ماتوا اليوم في هذه الحرب العبثية في الحارات رقم 12 و16 و29”.
وأشارت اللجنة، وهي ضمن مجموعات شعبية تنشط في تقديم الدعم منذ بدء النزاع قبل ثلاثة أشهر، إلى وقوع ضحايا في منطقة سوق ليبيا نتيجة القصف “ولكن لم يتم حصرهم”.
قال محمد منصور وهو من سكان المنطقة “سقطت مجموعة من قذائف الكاتيوشا والدانات على المنازل وشاركتُ في اخراج 8 جثث”. وقالت السودانية هاجر يوسف التي تقيم بحي أمبدة أيضا “سقط أربعة قتلى في منزل بجوارنا بينهم طفلان”.
وأفاد محامو الطوارئ، وهي مجموعة تشكلت خلال احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2018 ضد الرئيس السابق عمر البشير بأن “مناطق عديدة بولاية الخرطوم وخصوصا في الجنوب والوسط شهدت عمليات اخلاء مدنيين من منازلهم واستخدامها كثكنات عسكرية”.
وأضافت المجموعة في بيان ليل الاثنين أنه تم “في حالات أخرى الحد من تحركهم وحصارهم، ما يعرض حياتهم للخطر لعدم تمكنهم من الحصول على احتياجاتهم الضرورية”.
وفي سياق متصل قالت مصادر دبلوماسية مطلعة إن الاتحاد الأوروبي يضع إطار عمل مخصص للعقوبات للسودان كي يستهدف في النهاية الأطراف الفاعلة الرئيسية في الحرب الدائرة هناك وذلك بحظر سفر وتجميد أصول وحسابات مصرفية.
وقالت مصادر دبلوماسية إن الدول الأعضاء تبادلت أواخر الأسبوع الماضي مقترح وثيقة وستناقش التفاصيل في الأسابيع المقبلة. وأضافت المصادر أن الهدف هو الانتهاء من إطار العمل بحلول سبتمبر أيلول ويمكن استخدامه بعد ذلك في إعداد قائمة بالأفراد والشركات المحظورة.
ووقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على أمر تنفيذي في أوائل مايو/أيار يضع أساس عمل عقوبات أمريكية محتملة.
ويفرض الاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على كيانات وأفراد مرتبطين بمجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة بقيادة يفجيني بريجوجن، بما يشمل عملياتها في السودان وشركتي ذهب.
وقال أحد المصادر “وضع النظام يجب أن يكون بمثابة رادع لقادة الحرب في السودان. إنه تحذير أخير”.
ونوه الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس في يوليو/تموز إلى عدم ظهور أي بوادر على حل سريع للصراع الذي “يهدد بالتحول إلى حرب أهلية عرقية”. وفشلت جهود الوساطة الدبلوماسية حتى الآن واستخدم الجانبان وقف إطلاق النار لإعادة تنظيم صفوفهما.
في غضون ذلك، استمر القتال في ولاية الخرطوم الاثنين. وقالت إحدى لجان الأحياء في أمبدة إن 15 شخصا على الأقل قتلوا في غارات بأم درمان. وفي منطقة الكلاكلة بجنوب الخرطوم، قالت اللجنة المحلية إن قوات الدعم السريع حاصرت المنطقة.
وحصد النزاع في السودان آلاف الضحايا من بينهم أطفال يتعرّض أحدهم للقتل أو الإصابة بجروح في كل ساعة، وفق تقرير لمنظمة يونيسيف.
وقد أسفرت الحرب المتواصلة من دون أي أفق للحل، عن مقتل 3900 شخص على الأقل حتى الآن، بحسب منظمة أكليد غير الحكومية، علمًا بأن مصادر طبية تؤكد أن الحصيلة الفعلية هي أعلى بكثير.
وسجلت الأمم المتحدة نزوح حوالي 2.6 مليون شخص داخل البلاد، وفرار حوالي 730 ألفا إلى دول الجوار، ولا سيما مصر.
وشكلت الحرب ضربة قاسمة للاقتصاد السوداني، الذي كان ينتظر حلًا سياسيًا لإيجاد سبل تنموية له، لكن الصراع الدائر بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني خلّف آثارًا اقتصادية تمثلت في تدمير البنية التحتية والقطاع الصناعي وانكماش النمو وفقدان الوظائف.