حزب البشير وحرب السودان.. البرهان يزيل الغطاء عن النفوذ الخفي
أزالت الخلافات التي احتدمت بين قيادات حزب المؤتمر الوطني، الغطاء عن العلاقة الوثيقة بين الجيش السوداني وحزب البشير “المحلول”، ومدى تحكمه في مجريات الحرب المندلعة مع قوات “الدعم السريع”، وفق خبراء.
واعتبر الخبراء أن حديث البرهان الذي طلب خلاله من قيادات المؤتمر الوطني تنحية خلافاتهما جانبًا لكي لا تؤثر على وحدة المقاتلين، دليل على أن الرجل يعتمد في حربه مع الدعم السريع، على المقاتلين التابعين للحزب المحلول، وأن جنود الجيش غير راغبين في استمرار الحرب”.
وكان قائد الجيش السوداني، الفريق عبدالفتاح البرهان، الذي خاطب مؤتمرًا في مدينة بورتسودان، قبل يومين، أعلن عن أسفه للخلافات التي احتدمت بين قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول، قائلًا إن الوقت ليس مناسبًا للانقسامات، وأنه لن يسمح بأي نشاط يهدد وحدة المقاتلين.
وجاءت تصريحات البرهان تعليقًا على الخلافات التي احتدمت بين أنصار نظام البشير عقب اختيار المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، أحمد هارون، رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني، والذي رفضت مجموعة أخرى في الحزب، الاعتراف به.
ورأي المحلل الأمني عادل بشير، أن البرهان أصبح يتقمص شخصية سلفه عمر البشير، حينما كان رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني وفي الوقت نفسه قائدًا للجيش، حيث كان يقوم بالدور ذاته الذي ظهر به البرهان مؤخرًا.
وقال بشير إن تدخل البرهان ومناشدته لقيادات حزب المؤتمر الوطني في محاولة لرأب صدع الخلافات بينهم، يؤكد حقيقة أن الجيش السوداني ينفذ المشروع السياسي للحزب المحلول.
وأوضح أن البرهان حينما خاطب قيادات حزب المؤتمر الوطني كان يترجاهم بأن يكفوا عن الخلافات؛ لأن هذا ليس وقتها، ما يدل على أنه يعتمد كليًا في حربه الحالية على مقاتلي الحزب وبات يتخوف من أن تعصف هذه الخلافات بأحلامه التي دفعته لخوض الحرب، وفق قوله.
وأضاف أن “الوقائع تؤكد أيضًا اعتماد البرهان كليًا خلال هذه الحرب على الدعاية السياسية التي ينتجها حزب المؤتمر الوطني، حيث تخلى تماماً عن كل وعوده التي كان يرددها خلال الفترة الانتقالية بأنه مع ثورة الشعب وأنه لن يسمح لنظام البشير بالعودة للسلطة، حيث حدث العكس حينما أطلق يد الأجهزة الأمنية للانتقام من القوى الثورية التي أطاحت بالبشير”.
وتابع أن “طلب البرهان من قيادات حزب المؤتمر الوطني، التوقف عن الخلافات؛ لأن هذا ليس وقتها وأنها ستؤثر على وحدة المقاتلين، ما هو إلا دليل على أن الرجل يعتمد في حربه، على المقاتلين التابعين للحزب المحلول مستغلًا رغبتهم في العودة للسلطة والتي يعتقدون أنها لن تتحقق إلا عن طريق استمرار الحرب”.
وأكد أن حديث البرهان يدل أيضًا على أن جنود الجيش غير راغبين وليس لهم دافعًا في استمرار الحرب، الأمر الذي جعله يعتمد على أنصار الحزب المحلول في القتال نيابة عنهم.
وكان البرهان أبدى تخوفه من تشتت ولاءات المقاتلين من الكتائب التابعة لحزب المؤتمر الوطني، بين القيادات المتصارعة، محاولًا احتواءهم وتحويل ولائهم لصالحه، وقال: “لن نقبل بأي عمل سياسي مناوئ يهدد وحدة المقاتلين، من يقاتلون في الميدان ليسوا تابعين للمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية”.
ويؤكد مراقبون أن المقاتلين الذين يقصدهم البرهان هم كتائب البراء بن مالك التي تتبع لحزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، إضافة إلى كتائب هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات؛ فهم من يقاتلون الآن وليس الجيش.
كتائب ومليشيات
ومن جهته يعتقد المحلل السياسي، عمار الباقر، أن مطالبة البرهان لحزب المؤتمر الوطني المحلول، بالوحدة والتماسك، بأنها تعزز الاتهامات حول تحكم حزب البشير في المؤسسة العسكرية، وإشعال الحرب الحالية، في سبيل العودة إلى سدة الحكم مجدداً.
وقال الباقر إن “البرهان يراهن على كتائب ومليشيات التنظيم المحلول الإرهابية في حربه مع قوات الدعم السريع، فهم الذين يتقدمون الصفوف ويقاتلون بضراوة لصالح أجندتهم ولتحقيق مخططهم الرامي لحكم السودان مجدداً، وأن أي تشظٍ في حزبهم السياسي، سيكون له تداعيات سلبية على الوضع العسكري الميداني، وهنا تأتي مخاوف قائد الانقلاب”، وفق قوله.
وأضاف أن “حزب المؤتمر الوطني تم حله بموجب القانون، ومع ذلك يتحرك عناصره بحرية في مناطق سيطرة الجيش ويقيمون نشاطاتهم التنظيمية رغم حلهم، فكان واجباً على البرهان حسمهم، لكن في الواقع هم حلفاؤه ويديرون معه حرباً ضد السودانيين”.
وبحسب الباقر، فإن جنود الجيش الرسميين لا يقاتلون حالياً؛ لأنهم لا يرون وجود قضية يحاربون من أجلها، بينما ينخرط في القتال كتائب الإخوان، لذلك يتباكى البرهان على وحدة قيادتهم السياسية، في سلوك يؤكد أنه رهن إدارة المؤسسة العسكرية لتنظيم إرهابي، لفظه الشعب السوداني بثورة شعبية قبل خمس سنوات، على حد تعبيره.
وكان اختيار أحمد هارون رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني، قد فجر خلافات وانشقاقاً وسط الحزب المحلول، حيث رفضت الاختيار مجموعة أخرى داخل التنظيم يقودها إبراهيم محمود حامد، الذي ظهر مؤخرًا في مدينة بورتسودان تحت حماية الجيش هناك.
وأكدت مجموعة إبراهيم محمود، في بيان، أن الاجتماع مخالف للنظام الأساسي، وأنها لن تعترف به ولا بمخرجاته، مشيرة إلى أن الاجتماع قد يؤدي إلى شق صف الحزب.
واتهمت المجموعة، في بيانها، من أقاموا اجتماع الشورى بالعمل على شق صف الحزب، قائلة إنهم “المجموعة نفسها التي نفذت المؤامرة على الحزب عام 2019، وزجّت بقياداته في السجون، ومنعت المؤتمر الوطني من الوصول إلى موارده المالية، وأمسكت عنه الموارد المتاحة منذ عام 2019. كما أنها سعت لخلق فتنة لتمزيق وحدة هياكل وعضوية الحزب، وأنشأت ودعمت مكونات الضِّرار لإذابة هياكل الحزب بالمركز والولايات”.
ويقف على رأس المجموعة التي اختارت أحمد هارون، رئيسًا للحزب، علي كرتي وأسامة عبدالله، المتهمان بإشعال وتأجيج هذه الحرب من خلال سيطرتهما على المكتب العسكري للحركة الإسلامية المتجذر داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية للدولة.