أحداث

جوع متفاقم في السودان: تأثير الحرب على الإنتاج الزراعي


ألقت الحرب الدائرة الآن بظلالها الوخيمة على موسم الحصاد في السودان الذي يدفع فاتورة اقتصادية باهظة للنزاع والصراع الداخلي.

فقد اضطر المزارع أحمد عثمان لبيع سيارتين يملكهما لتمويل حصاد محصول السمسم في مزرعته الكبيرة في ولاية “القضارف” التي تبقى في منأى عن القتال في السودان، مع غياب التمويل والعمال نتيجة الحرب المتواصلة منذ عام ونصف العام.

وتعدّ ولاية القضارف الأهم في إنتاج الذرة في السودان. وتشكّل الذرة العنصر الغذائي الرئيسي للسكان، في وقت حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من خطر “مجاعة محدقة” في البلاد.

في مزرعته مترامية الأطراف في ولاية القضارف، يشكو عثمان من أنّ الحرب الجارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حدّت من تنقّل العمال بين ولايات البلاد المختلفة وتركته يجني محصوله مع عدد قليل جدا منهم.

ويقول عثمان بحزن لوكالة فرانس برس: “أول مشكلة واجهتنا كانت الحصول على التمويل في ظلّ ما حدث للبنوك من نقص في السيولة بسبب الحرب، فاضطررنا لبيع سيارتين لتمويل المشروع”.

أزمة الجوع في السودان

 

من أصل ثلاث مركبات يملكها، باع عثمان شاحنة صغيرة وسيارة لتوفير الأموال اللازمة لشراء الوقود للآليات الزراعية ودفع أجور عمال تنظيف الأرض من الحشائش والحصاد.

وتعرضت المصارف السودانية وجميع مقراتها الرئيسية في الخرطوم لعمليات سلب ونهب بعد سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة، الأمر الذي أدى لنقص كبير في السيولة لدى فروعها في البلاد حتى في القضارف الخاضعة لسيطرة الجيش.

ويشير عثمان إلى أن “المشكلة الثانية تتمثّل في قلّة العمال الزراعيين جراء الحرب التي حدّت من تنقّل العمال بين الولايات”.

وكان معظم العمّال في القضارف يأتون من ولايات كردفان والنيل الأزرق وسنار. وامتدت الحرب الى كردفان وسنار، وإن كانت لم تصل إلى النيل الأزرق. إلا أن الطريق الذي يربطها بالقضارف يمرّ عبر مناطق القتال في سنار.

واندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.

وخلّفت عشرات آلاف القتلى، وشرّدت أكثر من 11 مليون شخص من بينهم 3.1 مليون نزحوا خارج البلاد، حسب المنظمة الدوليّة للهجرة، وتسبّبت. وفقا للأمم المتحدة، بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث.

كذلك، ألقت بظلالها على اقتصاد البلاد الذي بات شبه متداعٍ.

ومع عدم توفّر العمال السودانيين، يعتمد عثمان ومزارعون آخرون على لاجئين إثيوبيين كانوا يعملون في المشروع خلال وجود فريق وكالة فرانس برس.

أزمة الجوع في السودان

 

ويقول المزارع سليمان محمد “قلة العمال أدّت الى ارتفاع أجورهم ما دفعنا للاعتماد على العمال الموجودين في المنطقة، وهم في الغالب إثيوبيون”.

محصول ضائع

ويعاني أكثر من 25 مليون شخص في السودان. أي أكثر من نصف سكان البلاد، من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وحذّرت ثلاث منظمات إغاثة كبرى تعمل في السودان الشهر الماضي من أزمة جوع ذات مستويات “تاريخية” تشهدها البلاد حيث اضطرت عائلات كثيرة لأكل أوراق الأشجار والحشرات.

ومن شأن تعثّر عملية الحصاد هذا الموسم أن يفاقم الأزمة في ظلّ تعطّل عمليات دخول المساعدات الغذائية عبر منافذ البلاد.

ويوضح عثمان عبدالكريم، المزارع في جنوب مدينة القضارف. أنّ عددا من المزارعين اضطروا الى التخلّي عن الموسم بالفعل.

ويضيف: “أغلب المزارعين اعتمدوا على التمويل الذاتي. لذلك نجد البعض خرج من الموسم ولم يزرع من الأساس”، مشيرا إلى أرض غير مزروعة غرب مزرعته.

أزمة الجوع في السودان

 

ويضيف أنّ هذه الأزمة “ستؤخّر حصاد المحاصيل ما يؤثر على جودتها”.

وأفادت وزارة الزراعة في الولاية بأنّ المساحة. التي تمّت زراعتها بالولاية هذا العام بلغت تسعة ملايين فدان، خمسة منها بالذرة والبقية لمحاصيل السمسم وعباد الشمس والفول السوداني والقطن.

وكانت القضارف تزرع في السابق ملايين الأفدنة سنوياً. ما كان يوفّر أكثر بكثير من الستة ملايين طن ذرة التي يحتاج إليها السودان لإطعام سكانه.

ويبدي المزارع سليمان محمد تخوفه من تعرضه لخسائر كبيرة جراء نقص العمالة.

ويقول من مزرعته في شرق القضارف: “مع قلة العمال وتأخر الحصاد. سنتعرض لخسائر وجزء من المحصول سيضيع”. 

تناقص المساحة المزروعة

ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الزراعي السوداني المختص بتمويل النشاط الزراعي. فإن المساحة المزروعة التي يمولها في البلاد تناقصت 60% عن السنوات السابقة.

وتقول دراسة أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الاقتصادية. إن نصف الأسر الريفية تعاني من توقف أنشطة الزراعة التي تعتاش منها، وهي نسبة ترتفع إلى 68% في ريف ولاية الخرطوم.

الإنتاج

وأظهر تقرير رسمي لمجلس الوزراء أن إنتاج الموسم الزراعي الصيفي الماضي من الذرة بلغ نحو 3 ملايين طن مقارنة بـ5 ملايين طن في الموسم السابق عليه قبل اندلاع الحرب. و633 ألف طن من الدخن مقارنة بأكثر من مليوني طن في الموسم السابق عليه. كما تراجع القمح من 476 ألف طن إلى 377 ألف طن.

ويعمل نحو 80% من القوة العاملة في السودان في قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني. الذي يُسهم بنسبة 32.7% من إجمالي الناتج المحلي الذي بلغ 34.3 مليار دولار في نهاية 2021، وفق البنك الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى