جريدة بريطانية: الحرب السودانية تزيد من معاناة سكان جبال النوبة
![جريدة بريطانية: الحرب السودانية تزيد من معاناة سكان جبال النوبة](https://i0.wp.com/sudanleaks.com/wp-content/uploads/2025/02/%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A8%D8%A9.jpg?resize=604%2C400&ssl=1)
لا تزال قضية جبال النوبة تعاني من التهميش المستمر، حيث لم يتغير الوضع سواء في أوقات الحرب أو السلم. التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة تتصاعد بشكل ملحوظ، مما يزيد من تعقيد الأوضاع. ومع اندلاع الحرب الحالية، تفاقمت معاناة سكان جبال النوبة. حيث استمر النزاع لفترات طويلة دون أن يحظى بالاهتمام الكافي من وسائل الإعلام المحلية أو المجتمع الدولي. مما يعكس تجاهلاً واضحاً للأزمة الإنسانية هناك.
-
الجيش السوداني تحت المجهر: «انتهاكات» في الجزيرة تُفاقم معاناة المدنيين
-
الجوع يهدد سكان “الصالحة”.. الجيش يعرقل وصول المساعدات
تاريخ منطقة جبال النوبة مليء بالصراعات والنزاعات السياسية، حيث تعرض سكانها للاحتلال من قبل السلطنات القديمة منذ القرن السادس عشر، وهو ما أدى إلى استعبادهم. هذه المعاناة لم تتوقف عند هذا الحد، بل استمرت خلال فترة الحكم التركي المصري للسودان في أوائل القرن التاسع عشر. مما دفع السكان إلى البحث عن ملاذ في الجبال، وهو ما زاد من عزلتهم وعمق من معاناتهم.
إن الوضع الراهن في جبال النوبة يتطلب اهتماماً عاجلاً من المجتمع الدولي، حيث أن استمرار النزاع وعدم الاستقرار يؤثر بشكل كبير على حياة السكان. إن التهميش الذي تعاني منه هذه المنطقة يجب أن يكون محوراً للنقاشات السياسية والإنسانية، إذ أن تجاهل الأزمات الإنسانية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع وزيادة المعاناة.
في سياق حرب جنوب السودان التي انتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل (نيفاشا) في عام 2005 وانفصال الجنوب في عام 2011، تعرض سكان المنطقة لمعاناة كبيرة أيضاً. لكن توقف القتال في الجنوب لم يؤثر إيجابياً على المنطقة. حيث تبقى قضاياها التي تم تناولها في الاتفاق هامشية، وتحولت إلى قضايا عالقة تحمل اسم جنوب السودان بعد انفصال الإقليم. بالتزامن مع إعلان انفصال الجنوب، اندلعت حرب في جنوب كردفان بين جيش “الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال” والجيش السوداني، وذلك بسبب الخلاف حول نتائج الانتخابات في الولاية، وتمدد النزاع إلى ولاية النيل الأزرق. نتيجة لذلك، تم تأسيس “الجبهة الثورية” أو “تحالف كاودا”، الذي ضم “الحركة الشعبية – شمال” بقيادة مالك عقار، مع حركات دارفور المسلحة مثل “حركة العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم. و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي، و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة عبدالواحد محمد نور.
-
معاناة المرأة السودانية: الناجيات يروين قصص الحرب وآثارها العميقة
-
صراع المحاور يزيد من معاناة السودان: النزوح والجوع في تصاعد مستمر
عندما بدأت الحرب الحالية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، كانت المنطقة، التي عانت من الحرب الأهلية لأكثر من نصف قرن، تشهد نزاعًا آخر منذ اندلاع الاحتجاجات التي أدت إلى إسقاط عمر البشير عام 2019. جاء ذلك نتيجة لانقسام “الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال” بين زعيميها مالك عقار وعبدالعزيز الحلو. حيث تحالف مالك عقار مع الحكومة (المجلس العسكري) خلال الفترة الانتقالية، ووقع على اتفاق السلام في جوبا عام 2020. بينما استمر عبدالعزيز الحلو في القتال ضد السلطة الجديدة ورفض التوقيع على الاتفاق، مكونًا تحالفًا مع عبدالواحد محمد نور الذي انفصل عن “حركة تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي الذي أصبح لاحقًا حاكمًا لإقليم دارفور. وبعد الإطاحة بالنظام السابق، تلاشت الآمال في التغيير بسبب فشل الحكومة الانتقالية في معالجة مظالم شعب النوبة.
-
محلل سوداني: الجوع يهدد أكثر من نصف سكان البلاد
-
حديث «البراميل المتفجرة» يظهر بالسودان.. وتفاقم المعاناة الإنسانية بالجنوب
كانت قضية جبال النوبة، وما زالت، قائمة على التهميش الذي لم يتراجع سواء في أوقات الحرب أو السلم، بل ظل التوتر السياسي والاقتصادي والاجتماعي متزايدًا على كافة المستويات. وبددت انفصال الجنوب آمال المنطقة في الحكم الذاتي. حيث يعتبر قادتها أن حرمان الإقليم من المعاملة المماثلة لبقية الأقاليم الأخرى قد يستمر لعقود قادمة، خاصة في ظل استغلالها للموارد النفطية. فضلًا عن تجاهل الحكومة الحالي للمنطقة، حيث تظهر تعقيدات جديدة مع كل فترة حكم جديدة.
كانت منطقة جبال النوبة تنتظر فصل قضية أبيي. حيث كانت عالقة بين الوساطات الإقليمية ورفعتها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. بفضل التجميد الذي أوجده دور الوساطة والمحكمة، حصل النظام السابق على الفرصة لتجنب اتخاذ قرار نهائي بشأن القضية سواء لصالح السودان أو ضد مصلحة سكان المنطقة. من جهة أخرى، مدّد هذا الوضع بقاء النظام لما يقارب عقداً آخر بعد انفصال جزء من السودان، وهو الحدث الأكثر أهمية منذ استقلال البلاد. كما أثار ذلك مشاعر التوتر لدى مجتمعات سكانية في عدة أقاليم. ونتجت عنه احتجاجات وانتقادات واسعة بسبب السرعة التي تم بها انفصال الجنوب، دون أن يظهر النظام السابق أي اعتراض أو مطالب لتأجيل الاستفتاء حتى يتم حل القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية أبيي.
وهناك مسألة الحدود التي لم تُحسم بعد، حيث يعود الخلاف بشأنها إلى فترة الاستعمار. وتعتمد اقتصاد المنطقة على الزراعة والرعي في مناطق تشهد تحركات موسمية تتقاسمها قبيلتا “الدينكا” من جنوب السودان و”المسيرية” من الشمال، بالإضافة إلى النزاع القائم حول النفط.
استهدف النظام السابق السكان المدنيين في جبال النوبة، وقام بتدمير القرى والمحاصيل والبنية التحتية بهدف تقويض دعم الجيش الشعبي التابع لـ “الحركة الشعبية – شمال”. وقد اعترف بروتوكول “ميشاكوس” لعام 2002، الذي كان بمثابة مقدمة لاتفاق السلام الشامل. بأن جبال النوبة منطقة متنازع عليها، لكنه لم يتناول الطموحات السياسية للمنطقة.
-
بعد 70 يوما.. القتال يجبر سكان جنوبي الخرطوم على الفرار
-
انقسام داخل «تقدم» السودانية.. هل يعيق جهود إنهاء الحرب؟
تضمن الاتفاق الذي تم توقيعه في عام 2002 وسُمّي بـ “اتفاق جبال النوبة” إنهاء حالة النزاع وضمان حرية تنقل المدنيين، بالإضافة إلى حركة السلع والمساعدات الإنسانية. كما تضمن وقف إطلاق النار الذي يعني وقف جميع العمليات العسكرية وأعمال العنف والهجمات الجوية والبرية. فضلاً عن عدم استهداف المواطنين على أساس عرقي أو ديني أو سياسي.
تُعتبر منطقة جبال النوبة موطناً لتنوع كبير من الإثنيات والثقافات والديانات المختلفة، حيث ظلت قضية الهوية، إلى جانب قضايا أخرى، بعيدة عن الحل، وقد تكون أكثر تعقيداً. وقد لعبت هذه القضية دوراً بارزاً في الصراع القائم في منطقة جنوب كردفان. تحتوي المنطقة على أكثر من 50 مجموعة إثنية من السكان الأصليين، مثل (تييرا، هيبان، كواليب، مورو، أوتورو، مساكن، كاتشا). والتي تتميز باختلاف لغاتها وثقافتها ودياناتها. ورغم هذا التنوع، تحتفظ هذه المجموعات ببعض العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية المشتركة، مثل الرقصات التقليدية ورياضة المصارعة المحلية وأنماط الحياة الزراعية. ويظهر عدد من مجموعات النوبة تعاطفاً كبيراً مع مجتمعاتها المحلية، حيث تقاوم الاندماج في الثقافات السائدة. ربما يعتمد قائد الحركة عبدالعزيز الحلو على هذا الشعور لتعميق عزلة الإقليم. ويعكس التصور المضاد للاعتقاد السائد بأن النوبة مهمشون سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تشجيع الحكومة المركزية. التي كثيراً ما تدعم سياسات التعريب والأسلمة، إضافةً إلى محاولات تجاهل التراث الثقافي واللغوي للنوبة.
-
الوصول إلي مصر.. المعاناة التي يعيشها السودانيين الفارين من جحيم الحرب
-
تصاعد القتال في السودان: معارك متزايدة الضراوة ونيران الحرب تطارد النازحين
فيما يتعلق بالتنوع الديني، يتفوق الإقليم على جميع مناطق السودان الأخرى، حيث يعتنق عدد من أهل النوبة ديانات تقليدية تشمل عبادة الأسلاف، والأرواح، والمعتقدات التي تركز على عبادة الطبيعة والحيوانات. كما يؤمن بعضهم بالمسيحية التي انتشرت خلال فترة الاستعمار وما بعدها، بفضل جهود المبشرين الذين اتجهوا نحو جنوب السودان عبر المسار النيلي. ورغم تنوع ديانات قادة الحركة الشعبية، ينتمي عدد من مسيحيي النوبة إلى الحركة، ويعتبرون أن أصلها الذي أسسه جون قرنق منذ خمسينيات القرن الماضي، يمثل الدفاع عن حقوقهم.
يتحدث سكان جبال النوبة أكثر من 100 لغة. والتي تُقسم إلى ثلاثة فئات لغوية رئيسية: “التينجر”، وهي لغة فريدة من نوعها في المنطقة وتأتي من وسط أفريقيا. ويتحدث بها عدد من المجموعات الأصلية. أما “النيلية”. فتستخدمها بعض المجموعات التي تربطها علاقات ثقافية وثيقة مع جنوب السودان. في حين تُستخدم العربية كلغة مشتركة وتزداد انتشاراً نتيجة التداخل الثقافي مع المجتمعات الشمالية.
-
السودان.. الاشتباكات تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية واقتراب البلاد من الهاوية
-
صفقة غامضة في السودان.. هل تُمنح الفاشر مقابل الانسحاب من الخرطوم؟
بسبب كل هذا، ونظراً للتعقيدات العميقة، فإن الحرب الحالية أضافت مزيداً من المعاناة إلى منطقة جبال النوبة، نظرًا لطول فترة الصراع هناك. حيث لم تحظَ آثار الحرب باهتمام الإعلام المحلي أو المجتمع الدولي، فظلت بعيدة عن تغطية الأخبار والمتابعات والمطالبات الدولية بتوفير المساعدات. ولم يُذكر اسم المنطقة في كل ذلك. كما استمر سكان المنطقة في مواجهة تبادل الهجمات بين قوات الجيش وقوات الحلو، بالإضافة إلى هجمات من “الدعم السريع” من جهة أخرى.
مع تصاعد حدة الحرب، شهدت المنطقة موجات كبيرة من النزوح. حيث اضطر العديد من سكانها للهرب من منازلهم بسبب انعدام الأمن وافتقارهم للغذاء والمأوى والرعاية الصحية. وتعرض النازحون في المناطق الجديدة لظروف أكثر قسوة. كما فرّ آلاف من سكان المنطقة إلى الدول المجاورة، وخصوصاً إلى جنوب السودان وإثيوبيا. التي عانت بدورها من تداعيات سلبية نتيجة الضغوط التي فرضها اللجوء على وضعها الداخلي، مما أثار قضايا مرتبطة بوجود اللاجئين وتعرضهم لمضايقات عديدة.
-
تغيير العملة يزيد أعباء السودانيين في مناطق الجيش
-
ود مدني بعد الاشتباكات: تطورات ميدانية وتحذيرات أمنية
بحلول نهاية عام 2024، أعلنت الأمم المتحدة عن حدوث مجاعة في جبال النوبة الغربية. مما يجعلها أول منطقة خارج شمال دارفور تُصنف بهذا الوصف بشكل رسمي.
فيما يخص العنف الداخلي الذي تضمن القتل والاختطاف والعنف الجنسي، فقد ظل بعيداً عن الأضواء، حيث لم تتمكن المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني من متابعة الوضع في الميدان. كما كانت إمكانياتها محدودة في تزويد المنطقة بالمساعدات الضرورية. بسبب التحديات اللوجستية والمخاوف الأمنية والعزلة، مما جعل السكان المحليين يعتمدون على مرونة المجتمع والشبكات السرية للبقاء على قيد الحياة. وقد شكلت كل هذه الأزمات تحديات أمام بناء السلام. وزادت من الانقسامات بين المجتمعات وعملت على تعميق فقدان الثقة.
-
صراع السلطة.. البرهان يوظف أوراق النقد الجديدة كوسيلة ضغط
-
“أكوام من الجثث”: واشنطن بوست تكشف تفاصيل المجزرة في ود مدني على يد الجيش السوداني
تتوقع بعض المصادر أن العزلة التي تعيشها منطقة جبال النوبة بسبب الطبيعة والنزاعات ستمتد لفترة قصيرة، ومن المحتمل أن يحدث تحرك على مستويين. الأول سيكون داخليًا حيث ستظهر أصوات تطالب بالحكم الذاتي والفيدرالية. حيث أن توفير مزيد من الحكم الذاتي السياسي أو النظام الفيدرالي للمنطقة سيساهم في تعزيز الحكم المحلي وتقليل التهميش.
المسار الثاني هو تعزيز الوساطة الدولية، مثل تشجيع الحلو على قبول إجراء مفاوضات للسلام، أو ممارسة ضغوط دولية عليه لضمان فتح ممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات. خصوصاً الأغذية والأدوية لأولئك الذين يعيشون في المناطق النائية. كما يتطلب الأمر حماية المدنيين من خلال إنشاء مناطق منزوعة السلاح، مما سيساهم في حمايتهم وتوفير مساحات آمنة للنازحين. خاصة أنهم يعيشون تحت وطأة العزلة بسبب الصراع بين الجيش و”الدعم السريع”. بالإضافة إلى الفجوة الأساسية في الاستجابة الدولية لهذه الأزمة.
-
واشنطن: جرائم الجيش السوداني “مروعة” ويجب أن تتوقف فورًا
-
المجاعة تهدد حياة السودانيين.. مخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية
-
السودان في أزمة إنسانية غير مسبوقة.. هل يستجيب المجتمع الدولي؟
![sudanleaks](https://i0.wp.com/sudanleaks.com/wp-content/uploads/2023/04/logo-sudan.png?resize=100%2C100&ssl=1)