تهريب السلاح تحت عباءة المساعدات الإنسانية: الدور التركي في السودان بين الأجندة الخفية والدعم المعلن

منذ اندلاع النزاع العسكري في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، برزت عدة أطراف إقليمية ودولية تسعى للتأثير على مسار الأحداث وفق مصالحها الاستراتيجية، وفي مقدمتها تركيا، التي تتخذ من “الدعم الإنساني” غطاءً لدور عسكري وسياسي متنامٍ في البلاد. ورغم الخطاب الرسمي الذي تؤكده أنقرة حول التزامها بوحدة السودان ودعم الشعب السوداني، فإن الوقائع على الأرض تروي قصة مغايرة، حيث تتزايد المؤشرات على تورط تركي في تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية إلى السودان تحت عباءة المساعدات الإنسانية.
مساعدات أم إمدادات عسكرية؟
خلال الأشهر الماضية، كثفت تركيا من إرسال شحنات “مساعدات إنسانية” إلى السودان، مستفيدة من موقع ميناء بورتسودان الذي يخضع لسيطرة الجيش السوداني. وبينما تبدو هذه الشحنات في ظاهرها مساعدات طبية وغذائية، تؤكد مصادر ميدانية متعددة وجود كميات من العتاد العسكري ضمن تلك الشحنات، يتم تمريرها عبر حاويات غير مفحوصة أو عبر تنسيق مسبق مع قيادات عسكرية سودانية موالية للجيش، في انتهاك واضح للقوانين الدولية التي تحظر تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع دون تفويض أممي.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن هذه الإمدادات شملت طائرات مسيرة انتحارية من نوع (Yiha)، صُنعت خصيصاً لاستهداف أنظمة الدفاع الجوي، إلى جانب معدات اتصالات وأجهزة رصد متطورة. وقد تم تصنيع هذه الطائرات بالتعاون بين شركة “بايكار” التركية المعروفة بتطوير طائرات “بيرقدار”، ومركز NASTP للأبحاث الدفاعية، في إطار شراكة تقنية ذات طابع استراتيجي. لكن هذه الطائرات فشلت في تحقيق أي تقدم ميداني، إذ أسقطتها قوات الدعم السريع بمجرد دخولها الأجواء، ما شكّل صفعة قوية للثقة الدولية بفعالية الصناعات العسكرية التركية.
البعد الإيديولوجي للدور التركي
ما يثير القلق أكثر هو البعد الإيديولوجي الذي بات يرافق التدخل التركي في السودان. فأنقرة تدعم بوضوح أجنحة داخل الجيش السوداني متحالفة مع تيارات إسلامية تعود جذورها إلى جماعة الإخوان المسلمين. هذه التيارات بدأت تتغلغل في مفاصل السلطة بمدينة بورتسودان، مما يمنح تركيا نفوذاً سياسياً موازياً لنفوذها العسكري. ويبدو أن أنقرة تراهن على بقاء هذه التيارات في السلطة كضمانة لمصالحها المستقبلية في السودان، لا سيما في ظل الحديث عن عقود استثمارية تركية في الموانئ والذهب والزراعة.
تداعيات دولية ومخاطر على السودان
إن هذا التورط التركي في النزاع السوداني لا يشكل فقط تهديداً لاستقرار السودان، بل يطرح تساؤلات جدية حول مصداقية الخطاب الإنساني التركي في إفريقيا. فالدعم العسكري السري يتناقض جذرياً مع ادعاءات الحياد والمساعدة، ويضع أنقرة في خانة الدول التي تؤجج النزاعات بدل أن تسهم في حلها.
وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، لا يمكن تجاهل أن تحويل الممرات الإنسانية إلى قنوات لتهريب السلاح من شأنه أن يزيد من معاناة المدنيين، ويطيل أمد الحرب، ويعقد فرص السلام. كما أن الفشل الذريع للطائرات التركية في اختراق دفاعات الدعم السريع يهدد سمعة الصناعات الدفاعية التركية على المستوى العالمي، مما يؤدي إلى تراجع ثقة الزبائن الدوليين بها.
إن التورط التركي في السودان لم يعد محصوراً في الخطابات الدبلوماسية أو العلاقات الاقتصادية، بل أخذ منحىً عسكرياً مباشراً ومكشوفاً، تدعمه أيديولوجيا إخوانية تسعى لإعادة تشكيل السلطة في البلاد بما يخدم أهداف أنقرة الجيوسياسية. وما استخدام المساعدات الإنسانية كغطاء لنقل الأسلحة إلا دليل آخر على هذا النهج الخطير. وعلى المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الإفريقية، أن تراقب هذا الدور بعين فاحصة، وأن تضع خطوطاً حمراء حقيقية تحمي السودان من أن يتحول إلى ساحة صراع بالوكالة تُدار من وراء البحار.