تعنّتُ البرهان يفشل وساطة إنهاء النزاع في السودان
أكدت اللجنة الرباعية للهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) على أن “الحل العسكري” لا يمكن أن يكون مخرجا للأزمة الدائرة في السودان.
وفق بيان ختامي صدر في أعقاب الاجتماع الذي عقدته اللجنة اليوم الاثنين بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا بحضور رؤساء وممثلين عن منظمات دولية بينها الأمم المتحدة، إضافة إلى يوسف عزت ممثلا عن قوات الدعم السريع.
وقاطع الجيش السوداني الاجتماع، في أحدث مؤشر على العناد الذي يبديه قائد القوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان. إزاء كافة مبادرات الوساطة لإنهاء النزاع والحيلولة دون امتداده إلى دول المنطقة، في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من أن البلد على حافة حرب أهلية شاملة.
وترأس الرئيس الكيني ويليامز روتو وفد لجنة “إيغاد” الرباعية في المباحثات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق يضمن وقف الأعمال العدائية في السودان. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية واتخاذ خطوات ملموسة لدعم الانتقال السلمي، حسبما نقلت هيئة الإذاعة الكينية “كي بي سي”.
والخميس رحب وزير الخارجية السوداني علي الصادق بمبادرة “إيغاد” لحل الأزمة في بلاده شريطة التشاور مع الحكومة السودانية. لكنه جدد الإعراب عن اعتراض الخرطوم على “رئاسة كينيا للجنة إيغاد الرباعية” بشأن السودان. معتبرا أن “نيروبي تسترشد في التعاطي مع الشأن السوداني بالمبادرات الدولية، الأمر الذي لا يخدم مبدأ الحلول الأفريقية لمشاكل القارة السمراء”.
بدوره قال مصدر عسكري سوداني إن وفد القوات المسلحة في أديس أبابا قاطع اجتماعات اللجنة احتجاجا على رئاسة كينيا.
وأضاف المصدر مفضلا عدم ذكر اسمه أن “الرئيس الكيني وليام روتو منحاز بشكل صارخ لصالح قوات الدعم السريع”.
وأوضح أن “أجندة اجتماع اللجنة تمضي في اتجاه الاعتراف بقوات الدعم السريع كطرف موازٍ للجيش السوداني وهي مسألة مرفوضة جملة وتفصيلا”.
وقالت الخارجية السودانية في بيان إن “حكومة السودان قررت ابتعاث وفد للمشاركة في اجتماعات اللجنة الرباعية المنبثقة عن منظمة إيغاد المزمع عقدها اليوم الاثنين بأديس أبابا”. مضيفة أن ذلك يأتي “اتساقا مع قناعة حكومة السودان. وموقفها المبدئي من أن الحرب لا يجب أن تكون سبيلا لتحقيق الأهداف، واستجابة لدعوة كريمة من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد”.
وتابعت “وصل وفدنا بالفعل إلى أديس أبابا صباح اليوم ولكن للأسف اتضح أن رئاسة اللجنة الرباعية لم يتم تغييرها. رغم أن حكومة السودان قد طالبت منذ قمة جيبوتي بتغيير رئاسة الرئيس وليام روتو رئيس جمهورية كينيا للجنة الرباعية”.
وفي وقت سابق من اليوم، كشفت هيئة البث الإثيوبية الرسمية “فانا” عن مشاركة رؤساء دول وحكومات وممثلي منظمات دولية في الاجتماع.
وقالت إنه بجانب رئيس كينيا، يشارك وزير الخارجية والتعاون الدولي في جيبوتي محمد علي إضافة إلى سياسيين سودانيين ووفد من قوات الدعم السريع.
وصدر البيان الختامي للاجتماع الذي قرأ فحواه رئيس كينيا ويليام روتو، رغم إعلان الجيش السوادني مقاطعته للاجتماع، وانسحاب الوفد الحكومي السوداني المتواجد في أديس أبابا. بعد تقديمه طلبا بتغيير رئاسة كينيا للجنة “إيغاد”.
وركز البيان على ضرورة التزام الأطراف المتصارعة في السودان بإعلان وقف غير مشروط لإطلاق النار والتوافق على إنشاء منطقة إنسانية لتسهيل دخول المساعدات.
ومؤكدا أنه “لا يوجد حل عسكري للصراع في السودان”. طالب البيان بعقد لقاء مباشر بين قادة الأطراف المتحاربة يهدف في النهاية إلى “وقف العنف بشكل فوري، والتوقيع على اتفاق غير مشروط وغير محدد المدة”.
وأقر بالجهود المتواصلة التي تبذلها الأمم المتحدة والشركاء الإقليميون والدوليون. الرئيسيون، بما في ذلك الولايات المتحدة والسعودية من أجل تحقيق السلام في السودان.
وفي السياق، نقل البيان قلق المشاركين في الاجتماع إزاء تأثير الحرب الدائرة والتي أودت بحياة الآلاف حتى اليوم وتسببت في تشريد ما يقرب من 3 ملايين شخص. بما في ذلك 2.2 مليون نازح وحوالي 615 ألف لاجئ عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة.
كما أبرز مخاطر تصاعد النزاع والانتهاكات المتكررة لاتفاقيات وقف إطلاق النار المختلفة، فضلا عن انتشار العنف خارج العاصمة الخرطوم، إلى أجزاء أخرى من السودان، بما في ذلك دارفور، وكردفان.
ودعا البيان الدول المجاورة للسودان إلى تكثيف الجهود من أجل إيصال المساعدات الإنسانية واتخاذ التدابير اللازمة، لتسهيل ورفع أي حواجز لوجستية أمام تسليم المساعدات الإنسانية بما في ذلك متطلبات التأشيرات والجمارك.
وفي السياق، أشار البيان إلى غياب الجيش السوداني عن اجتماع اليوم. وهو ما وصفه المشاركون بأنه “غياب مؤسف رغم الدعوة وتأكيد الحضور”. لافتا إلى الاجتماع المنتظر بشأن السودان والذي تستضيفه مصر في 13 يوليو الجاري.
ورحبت إيغاد في بيانها بـ”الدور التكميلي الذي ستلعبه هذه المبادرة في دعم الأهداف المشتركة من أجل السلام و الاستقرار في السودان”.
وشارك في المباحثات رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف ومستشار رئيس جمهورية جنوب السودان بنجامين بول ميل.
كما حضر الاجتماع ممثلون عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية والاتحاد الأوروبي ومصر والسعودية والإمارات، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.
وكانت “إيغاد” أعلنت في 12 يونيو الماضي تشكيل لجنة رباعية. برئاسة كينيا وجنوب السودان وعضوية إثيوبيا والصومال لمعالجة الأزمة في السودان.
و”إيغاد” منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1969. تتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم أيضا كلا من إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وإريتريا والسودان وجنوب السودان.
وقالت قوات الدعم السريع إنها “تفاجأت” بمقاطعة وفد الجيش السوداني للجلسة الأولى لاجتماعات لجنة “إيغاد” الرباعية بـ”ذرائع واهية وغير موضوعية” رغم وصوله إلى العاصمة أديس أبابا.
وأفادت في بيان أن “مقاطعة اجتماع إيغاد من قبل وفد الجيش يأتي ضمن نهج النظام البائد المتطرف (نظام الرئيس السابق عمر البشير) الذي بسببه تعرض السودان إلى أكبر عزلة إقليمية ودولية في تاريخه”.
وأضافت “هذا التصرف غير المسؤول يكشف بوضوح أن القرار داخل المؤسسة العسكرية مختطف وأن هناك مراكز متعددة لاتخاذ القرار تسعى لإطالة أمد الحرب وعرقلة المساعي الحميدة التي يبذلها أشقاء وأصدقاء السودان في محيطه الاقليمي والدولي”.
واعتبرت الدعم السريع أن مشاركة وفدها في اجتماع اديس أبابا جاءت “إيمانا بضرورة الوصول إلى حل سلمي يؤدي إلى وقف الحرب ويمهد لبدء حوار سياسي شامل يعالج جذور الأزمة السودانية وعودة الحكم المدني الديمقراطي وخروج نهائي للمؤسسة العسكرية من العمل السياسي”.
وفي سياق متصل قالت وزارة الخارجية الأميركية الأحد إن مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في ستتوجه إلى أديس أبابا اليوم الاثنين في زيارة لمدة يومين تلتقي خلالها مع زعماء أفارقة ومدنيين سودانيين لبحث كيفية إنهاء الصراع في السودان.
ودعت الخارجية الأميركية في بيان القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى “إنهاء القتال على الفور والعودة إلى الثكنات والتقيد بالتزاماتهما بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق لتلبية الاحتياجات الطارئة للمدنيين”.
وأضافت أن مساعدة وزير الخارجية ستلتقي خلال زيارتها مع مدنيين سودانيين وممثلين كبار عن حكومات في المنطقة ومن الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” لدول شرق أفريقيا ومن مفوضية الاتحاد الأفريقي.
وقال مفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث الاثنين إن السودان يعيش حالة “حرب أهلية من أكثر أنواع الحروب وحشية”.
وأضاف غريفيث، في تصريح لوكالة “أسوشيتد برس” أن “العالم يحتاج إلى منتدى جديد لإجراء محادثات سعيا وراء وقف إطلاق النار في السودان”.
ويتبادل الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” اتهامات ببدء القتال منذ منتصف أبريل الماضي وارتكاب خروقات خلال سلسلة هدنات لم تفلح بوضع نهاية لاشتباكات خلفت أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون وما يزيد على 2.8 مليون نازح داخل وخارج البلاد، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة.
وبين القائدين خلافات أبرزها المدى الزمني لتنفيذ مقترح لدمج الدعم السريع في الجيش وهو بند رئيسي في اتفاق مأمول لإعادة السلطة بالمرحلة الانتقالية إلى المدنيين، بعد أن فرض البرهان – حين كان متحالفا مع حميدتي – في 2021 إجراءات أبرزها حل مجلس الوزراء والسيادة الانتقاليين.
واعتبر الرافضون تلك الإجراءات “انقلابا عسكريا” على المرحلة الانتقالية التي بدأت عقب عزل عمر البشير من الرئاسة (1989-2019). بينما قال البرهان إن إجراءاته هدفت إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، ووعد بإعادة السلطة إلى المدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني.