تعثر تشكيل الحكومة في بورتسودان يفتح أبواب الصراع بين مكونات السلطة

تواجه جهود تشكيل حكومة بورتسودان، بقيادة رئيس الوزراء المكلف كامل إدريس، تعثرًا متزايدًا وسط صراع محتدم على النفوذ بين الميليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش وقائد قوات بورتسودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ما يهدد بإجهاض الحكومة قبل إعلانها رسميًا.
ومنذ تكليف إدريس في 18 مايو الماضي، لم يتم الإعلان سوى عن خمس وزارات من أصل 22 حقيبة وزارية، تشمل الدفاع، الداخلية، الصحة، الزراعة، والتعليم العالي، فيما لا تزال 17 وزارة شاغرة، أبرزها المالية والمعادن والنفط، التي تشهد خلافات حادة حول الترشيحات والسيطرة عليها.
وتتمحور الأزمة حول مطالب الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة “القوات المشتركة”، التي تقاتل إلى جانب الجيش، بالحصول على حصص وزارية وفق اتفاق جوبا للسلام، في مقابل اعتراض إدريس على بعض الترشيحات، خاصة تلك المرتبطة بتيارات إسلامية محسوبة على النظام السابق، والتي يحظى بعضها بدعم مباشر من البرهان.
ويعكس هذا التعثر، بحسب مراقبين، فشلًا متزايدًا في إدارة المرحلة الانتقالية، وسط فراغ تنفيذي واضح في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وتدهور اقتصادي وأمني متسارع. وتدار الوزارات حاليًا عبر الأمناء العامين والوكلاء، دون إطار زمني واضح لإعلان التشكيلة الوزارية الكاملة، رغم وعود متكررة كان آخرها مطلع يوليو الجاري.
ويصف المحلل السياسي عمار سعيد الوضع بأنه “إخفاق بنيوي في مشروع السلطة ببورتسودان”، مشيرًا إلى أن الأزمة لا تتعلق بالأفراد بل بـ”نظام يقوم على تقاسم المكاسب لا بناء الدولة”. ويرى أن تعيين إدريس كرئيس وزراء شكلي لحكومة لم تُعلن بعد، يكشف عن محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، دون معالجة جوهرية للأزمة السياسية العميقة داخل معسكر السلطة.
وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتزايد المخاوف من انقسام سياسي حاد، خاصة مع وجود تحالفات متنافسة تسعى لتشكيل حكومات موازية في مناطق أخرى من البلاد، ما يهدد وحدة السودان ويزيد من تعقيد المشهد الانتقالي
عاملان رئيسان
تتنوع التفسيرات المتعلقة بتأخر تشكيل الحكومة، لكن عمار سعيد يحدد عاملين رئيسيين. الأول هو “غياب الإرادة الوطنية الحقيقية”، حيث يشير إلى تردد العديد من الشخصيات الوطنية في الانضمام إلى حكومة “لا تتمتع بشرعية شعبية أو رؤية سياسية واقعية”، كما يعبر عن ذلك.
أما العامل الثاني، فيتمثل في النزاعات الداخلية حول توزيع السلطة بين المكونات العسكرية والميليشيات المسلحة “التي أنشأها البرهان بنفسه لخوض حروبه”، كما أوضح عمار سعيد.
بينما تسعى تلك الميليشيات للحصول على حصتها من السلطة التنفيذية وتتنافس على المناصب الوزارية، تظهر مشكلة أخرى تتعلق بأن حركات اتفاق جوبا للسلام لا تزال تحتفظ بـ25% من المقاعد وفقًا للاتفاق. ويشير عمار سعيد إلى أن “هذا يزيد من تعقيد المشهد ويجعل أي محاولة لتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، كما وعد إدريس، أمرًا مستحيلاً”.
تشكيك بالشرعية
يعتقد الكاتب والمحلل السياسي نجم الدين دريسة أن التأخير في تشكيل حكومة بورتسودان يثبت فعلياً فشل البرهان، الذي ليس جديداً، إذ إن تاريخيه مليء بالأخطاء. كما أشار إلى اعتماده على جماعة الإخوان وتشكيلاتها العسكرية.
يؤكد نجم الدين دريسة في تصريح لـ “إرم نيوز” أن الحكومة، حتى قبل تشكيلها، تفتقر إلى أي دعم سياسي أو قانوني أو دستوري، بل وحتى شعبي، لأنها “مزقت الوثيقة الدستورية التي اتفق عليها الشعب السوداني، وبالتالي فهي حكومة معزولة”.
يفيد بأن إدريس “يفتقر إلى أي مهارة أو تجربة سياسية”، وأن توليه رئاسة الوزراء هو “حلم قديم سعى لتحقيقه مهما كلف الأمر”. بخصوص وصف الحكومة بأنها “حكومة الأمل”، اعتبر أنها “تفتقد للأمل في ظل نظام يسيطر عليه المصالح الشخصية والمكاسب المالية وطول أمد الحرب”.
لاقى الإعلان عن حكومة إدريس انتقادات واسعة من وسائل الإعلام العالمية، حيث اعتبر موقع “المونيتور” الأمريكي أنه إجراء “لا فائدة منه” في ظل “الهيمنة العسكرية التي لا تزال قوية” على البلاد.
وأكد تقرير “المونيتور” على عدم شرعية الحكومة الجديدة، مشيرًا إلى أن إدريس “لم يحصل على أي شرعية أو شعبية، وليس لديه قاعدة سياسية خاصة به أو نفوذ”، واصفًا إياه بأنه “نتاج للجيش في هذه المرحلة”.
أشار تقرير لصحيفة “ذا ناشيونال” إلى أن الشكوك حول مدى السلطة التي سيملكها كامل إدريس في ظل سيطرة الجيش تمثل واحدة من أبرز التحديات، حيث يُعتقد أن هيمنة قوات البرهان على حكومة بورتسودان ستقلل من فرص نجاحها.
