تسريبات الوثيقة الدستورية الجديدة في السودان: صلاحيات موسعة للبرهان وإقصاء للمعارضة

في خطوة مثيرة للجدل، كشفت تسريبات عن تعديلات جوهرية في الوثيقة الدستورية لحكومة بورتسودان، تمنح الفريق أول عبد الفتاح البرهان سلطات استثنائية، مع إقصاء القوى السياسية التي لعبت دورًا في الثورة السودانية. هذه التعديلات تفتقر إلى الشرعية السياسية والقانونية، إذ تمضي في اتجاه تكريس الحكم العسكري، على حساب المسار الديمقراطي، الذي كان من المفترض أن يُفضي إلى انتقال حقيقي للسلطة.
1. فترة انتقالية جديدة: تكريس لحكم الفرد
تنص الوثيقة المعدلة على فترة انتقالية جديدة (39 شهراً)، تبدأ من تاريخ إقرارها، حيث يضفي البرهان على نفسه صلاحيات واسعة تحت ذريعة “تأمين البلاد وإنهاء الحرب”. غير أن هذا التبرير يبدو مجرد غطاء لتمديد سلطته المطلقة، خصوصًا أن فترات انتقالية سابقة لم تؤدِّ إلى حلول حقيقية، بل تم استخدامها كوسيلة لتمرير مشاريع السلطة العسكرية.
2. صلاحية تعيين وإعفاء رئيس الوزراء: استبداد مطلق
إحدى أخطر البنود في الوثيقة المعدلة هي منح البرهان صلاحية تعيين وإقالة رئيس الوزراء دون أي قيود. هذا الإجراء يُفرغ المنصب التنفيذي من أي استقلالية، ويجعل الحكومة خاضعة بالكامل لأهواء قائد الجيش، مما ينسف أي مظهر من مظاهر الديمقراطية، ويجعل الفترة الانتقالية مجرد غطاء لحكم الفرد المطلق.
3. إقصاء القوى السياسية المعارضة: انقلاب على مبادئ الثورة
تنص التعديلات الجديدة على استبعاد قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع من المشهد السياسي، واستبدالهما بـ**”القوى الوطنية الداعمة للجيش”**. هذا الإجراء يمثل محاولة ممنهجة لإعادة إنتاج النظام القديم، حيث يتم التخلص من كل القوى التي يمكن أن تشكل تهديدًا للهيمنة العسكرية، وتمهيد الطريق أمام الحاضنة السياسية الجديدة، التي قد تشمل فلول النظام السابق.
4. احتفاظ الحركات المسلحة بحصصها: تكتيك للبقاء في السلطة
رغم إقصاء القوى المدنية، أبقت الوثيقة المعدلة على مشاركة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا وفق نسبها المتفق عليها. هذه الخطوة ليست أكثر من محاولة لكسب ولاء الحركات المسلحة، وإبعادها عن أي تحالفات مع القوى المدنية، في محاولة لإعادة صياغة المشهد السياسي بما يضمن استمرار الحكم العسكري.
5. حملة إعلامية موجهة: إعادة الحركة الإسلامية للسلطة؟
تشير التقارير إلى أن هناك حملة إعلامية منظمة تهدف إلى الترويج لهذه التعديلات، وإقناع الرأي العام بقبولها، وسط مؤشرات على أن هذه التعديلات قد تمهد لعودة الحركة الإسلامية إلى السلطة من خلال تحالفها مع الجيش. هذه العودة، إن حدثت، ستكون نكسة كبيرة لمطالب الثورة السودانية، وعودة إلى نفس السياسات التي أدت إلى سقوط النظام السابق.
ختام: نحو ديكتاتورية عسكرية مقنعة؟
لا تحمل الوثيقة الدستورية المعدلة أي بوادر لإصلاح سياسي حقيقي، بل تبدو كمحاولة لشرعنة الحكم العسكري وإقصاء أي صوت معارض. استمرار هذا النهج سيؤدي إلى مزيد من التأزم السياسي والانقسامات الداخلية، وربما يُدخل السودان في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار. في ظل غياب أي آلية ديمقراطية حقيقية، يبقى السؤال: هل يقبل الشعب السوداني بهذا الانقلاب الدستوري، أم أننا أمام موجة جديدة من المقاومة؟
