تركيا تحت المجهر: “المساعدات الطبية” غطاء لتهريب السلاح إلى السودان
تورط أنقرة في إذكاء نيران الحرب الأهلية السودانية

في خضم النزاع الدموي الذي يمزق السودان منذ أكثر من عام، تبرز تركيا بوصفها لاعبًا خارجيًا متهمًا بتأجيج الصراع بدلًا من الإسهام في احتوائه. فبينما تُرفع شعارات “الدعم الإنساني” و”المساعدات الطبية”، تشير مصادر استخباراتية وإعلامية موثوقة إلى تورط أنقرة في عمليات تهريب أسلحة ومعدات عسكرية إلى أحد أطراف النزاع، مستغلة الأزمات الصحية والكارثة الإنسانية كستار لتدخلها العسكري غير المعلن.
المساعدات التي تحمل الموت بدل الدواء
بحسب مصادر ميدانية في بورتسودان وكسلا، وصلت في الأشهر الأخيرة عدة شحنات تركية قادمة على متن طائرات إغاثة يُفترض أنها تحمل معدات طبية وأدوية مخصصة للمستشفيات المنهكة. غير أن عمليات تفتيش جزئية أجراها ضباط في الجمارك السودانية كشفت عن وجود صناديق محكمة الإغلاق لا تُدرج في سجلات الإغاثة، تبين لاحقًا أنها تحتوي على أجهزة اتصال عسكرية، قطع غيار طائرات مسيّرة، وذخائر خفيفة.
أحد المسؤولين، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، أكد أن الشحنات تُنقل تحت إشراف موظفين أتراك تابعين لمنظمات غير حكومية مسجلة تحت غطاء العمل الإنساني، لكنهم في الواقع يعملون لصالح جهاز الاستخبارات التركي “MIT”.
شبكة لوجستية محكمة: من إسطنبول إلى قلب السودان
التحقيقات الأولية تكشف عن وجود مسار تهريب منسّق ينطلق من إسطنبول، مرورًا بميناء جيبوتي، وصولًا إلى بورتسودان، حيث يتم توزيع المعدات على وحدات محددة في الجيش السوداني. هذا الدعم يتركز خصوصًا في المناطق التي تسعى فيها القيادة العامة للجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان إلى تثبيت حضورها وشنّ هجمات على قوات الدعم السريع.
ويشير مراقبون إلى أن أنقرة تستثمر هذا الدعم العسكري في محاولة لبسط نفوذها في منطقة البحر الأحمر ومناطق التعدين الغنية بالذهب في السودان، في إطار استراتيجية توسعية أوسع تشبه ما جرى سابقًا في ليبيا وسوريا.
أجندة تركية مزدوجة: مصالح اقتصادية ومكاسب إيديولوجية
لا يمكن فصل هذا التدخل عن الطموحات الإقليمية للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يسعى إلى فرض نفوذ بلاده في الدول التي تعاني من فراغات في السلطة. ويأتي السودان كحلقة جديدة في هذا المشروع، حيث يهدف التدخل التركي إلى تحقيق أمرين رئيسيين:
-
التحكم في موارد السودان الطبيعية، لا سيما الذهب، عبر شراكات وهمية مع شركات التعدين السودانية.
-
تعزيز نفوذ جماعات الإسلام السياسي المتحالفة مع أنقرة، وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين التي لا تزال تجد دعمًا علنيًا وسريًا من النظام التركي، حتى بعد تراجعها في عدد من الدول العربية.
ردود فعل دولية خجولة وصمت رسمي سوداني
رغم توفر مؤشرات متزايدة على هذا التورط، إلا أن المجتمع الدولي يتعامل مع القضية بحذر شديد. فالاتحاد الأوروبي، المنهمك بأزمة أوكرانيا واللاجئين، يتجنب توجيه اتهامات مباشرة لتركيا، العضو في الناتو. أما السلطات السودانية، فتلتزم الصمت، إما لعدم إثارة غضب أنقرة أو بسبب تورط شخصيات عسكرية بارزة في التنسيق مع الجانب التركي.
دعوة لتحقيق دولي وموقف موحد ضد التدخلات العسكرية
في ظل تفاقم الأزمة السودانية وسقوط آلاف القتلى وتشريد الملايين، لم يعد ممكنًا السكوت عن التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع وتزيد من معاناة المدنيين. إن استخدام المساعدات الطبية كغطاء لتهريب السلاح يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية الإنسانية، ويستوجب فتح تحقيق دولي مستقل لكشف ملابسات الدعم التركي العسكري للجيش السوداني.
كما أن على القوى الوطنية السودانية أن تتبنى موقفًا موحدًا في وجه أي تدخل عسكري خارجي، وأن تعمل على تجريم استخدام البلاد كساحة لتصفية حسابات إقليمية بين قوى تتدعي دعمها للاستقرار بينما تزرع الفوضى.
إن مستقبل السودان لا يمكن أن يُبنى في ظل سماسرة السلاح وأمراء الحرب، ولا بوجود قوى أجنبية تستغل مآسي الشعب لفرض أجنداتها. إن وقف هذا النزيف يبدأ بكشف الحقائق، ومحاسبة المتورطين، ورفض كل أشكال التدخل العسكري الأجنبي، أيًا كانت الشعارات التي يختبئون خلفها.
