تقارير

تحذيرات دولية من أزمة غذائية كارثية في السودان والحكومة تنفي


أظهر تقرير صادر عن “المرصد العالمي للجوع” أن المجاعة قد تفشت بشكل واسع في السودان، الذي يعاني من الحرب المستمرة منذ 15 إبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع. مما أثر على أكثر من 12 ولاية من أصل 18 ولاية سودانية.

كما أشار المرصد إلى أن المجاعة انتشرت في خمس مناطق سودانية. منها ثلاث مناطق في ولاية شمال دارفور، بينما تقع البقية في منطقة جبال النوبة. وتوقع التقرير أن يتم الإعلان عن المجاعة في 17 منطقة بشمال دارفور بحلول شهر مايو المقبل.تستند العديد من المنظمات الدولية التي تعمل في مجال الإغاثة والمساعدة الإنسانية إلى مرصد الجوع في نشاطاتها. حيث يوفر لها مؤشرات حول أزمات الغذاء التي تحتاج إلى تدخلات من قبل تلك المنظمات.تستمر الحرب التي أدت إلى تهجير ما لا يقل عن 12 مليون شخص، وتؤكد المنظمات الإنسانية أن حوالي 25 مليون سوداني يواجهون مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي. حيث يوجد 15.9 مليون شخص في مرحلة الأزمة و8.1 ملايين في مرحلة الطوارئ. وأكثر من 637 ألف شخص في المستوى الخامس الذي يعد كارثياً وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة.أدت تداعيات المجاعة في السودان إلى أن يقوم مجلس الأمن الدولي بالاستماع إلى إحاطتين الأسبوع الماضي. الأولى قدمتها مديرة المناصرة والعمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”. إيديم وسورنو، والثانية من نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية “فاو”، بيث بيكدول.

وحذرت وسورنو في تقديمها من آثار الجوع الشديد الذي يهدد النساء والفتيات. بالإضافة إلى الأطفال وكبار السن، مشيرة إلى أن السودان هو المكان الوحيد في العالم. الذي تم تأكيد وجود المجاعة فيه حالياً، وأن الوضع يزداد سوءاً نتيجة استمرار الحرب، بغض النظر عن التكاليف التي يتحملها المدنيون. وشددت على أهمية الضغط على طرفي النزاع للامتثال للقانون الدولي الإنساني. بما في ذلك التزاماتهما بتلبية احتياجات المدنيين وحماية البنية التحتية والخدمات الأساسية. كما دعت أعضاء مجلس الأمن إلى استغلال نفوذهم لضمان فتح الطرق أمام إمدادات الإغاثة والعاملين في المجال الإنساني.أشارت المسؤولة الأممية إلى أن “خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في السودان لعام 2025 تحتاج إلى 4.2 مليار دولار لدعم حوالي 21 مليون شخص. بالإضافة إلى 1.8 مليار دولار إضافية لمساندة خمسة ملايين شخص، معظمهم من اللاجئين في سبع دول مجاورة”.

 

من جهتها، أشارت بيث بيكدول في تقريرها إلى أن الصراع والنزوح القسري يبقيان من العوامل الرئيسية لهذه الأزمة، التي ازدادت تفاقماً نتيجة القيود المفروضة على الوصول الإنساني. وأوضحت أن ثلثي سكان السودان يعتمدون على الزراعة، وأن الخسائر في الإنتاج للمحاصيل الأساسية خلال السنة الأولى من النزاع كانت كافية لإطعام حوالي 18 مليون شخص، كما بلغت هذه الخسائر أكثر من 1.3 مليار دولار أميركي.من ناحية أخرى، انتقدت الحكومة السودانية تقارير المجاعة. وأوقفت مشاركتها في النظام العالمي لرصد الجوع ومتابعته، مشيرة إلى أن هذه التقارير تؤثر سلباً على سيادة السودان. كما أدان بيان وزارة الخارجية السودانية ما تم طرحه في مجلس الأمن. معتبراً أنه يمثل “محاولات لاستخدام ادعاءات غير صحيحة كوسيلة للتدخل في شؤون البلاد”. وتعتبر هذه المزاعم تهدف إلى الإضرار بسيادة السودان، وإضعاف استقراره، وتهيئة الظروف المناسبة للتدخلات الأجنبية. وتحويل الشعب السوداني إلى مهجرين ونازحين يعتمدون بالكامل على المساعدات الإنسانية.أوضحت الحكومة السودانية أن “تقرير المنظومة الشاملة لتقييم مراحل الأمن الغذائي لا يعكس الوصف الدقيق والموضوعي لحالة الأمن الغذائي في السودان، إذ اعتمد على بيانات غير دقيقة نتيجة لعدم وجود مسوحات ميدانية منذ عام 2022. كما أنه تجاهل المؤشرات الموثوقة ولم يلتزم بالتوافق الذي تم مع الخبراء الوطنيين. بالإضافة إلى تسريبه لوسائل الإعلام قبل عرضه بشكل رسمي على الحكومة”.

أضافت الحكومة أن “التوقعات تشير إلى أن إنتاج الذرة والدخن في الموسم الحالي قد يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين طن، مما يتجاوز الاحتياجات المحلية التي تقدر بنحو 5 ملايين طن.وبالتالي فهذا ينفي تماماً مزاعم وقوع مجاعة. بل يُظهر قدرة السودان على المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي الإقليمي. أما التحدي الإنساني في بعض المناطق فهو نتيجة لسياسة التجويع المتعمدة التي تمارسها (مليشيا الدعم السريع)، وهي جريمة دولية تستدعي الإدانة والمحاسبة. ونتعهد بتخفيف معاناة الشعب السوداني. وتعزيز الأمن الغذائي ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية”.يقول الناطق باسم التنسيقية العامة للنازحين، آدم رجال، لـ”العربي الجديد”. إن “الجوع موجود بالفعل في دارفور، وهناك أشخاص غير قادرين على الحصول على الطعام، ونسبة كبيرة منهم يقتصرون على وجبة واحدة في اليوم. وبعضهم وصلوا إلى مرحلة تناول بقايا الطعام ومخلفات المحاصيل التي كانت تستخدم سابقًا كعلف للحيوانات، وآخرون يأكلون أوراق الأشجار والحشائش.

وتأتي نتائج مرصد الجوع لتبين أنه لا توجد استراتيجية شاملة لمواجهة هذه الحالة، مما ينذر بحدوث كارثة إنسانية في الفترة القادمة. وقد نشهد حالات وفاة جماعية”.يقول الرجال: “الحكومة ترفض هذه النتائج، وهذا هو موقفها منذ أغسطس الماضي. عندما أبلغت منظمات دولية عن انتشار المجاعة في مخيم زمزم، حيث نفت مفوضية العون الإنساني الحكومية ذلك، مما أدهشنا. لأننا نتواجد في دارفور ونرى النازحين الذين فقدوا كافة مقومات الحياة. وتزداد أوضاعهم سوءًا مع مرور الوقت، وتتزايد حاجتهم إلى الغذاء والمياه والأدوية والمأوى. توجد منظمات دولية على الأرض تقدم بعض المساعدات، لكن الحاجة أكبر، خاصة بعد تدمير الموسم الزراعي.”من جهته، يؤكد الأكاديمي السوداني الرشيد محمد إبراهيم أن الحكومة طلبت من مرصد الجوع إعداد تقرير بعد إجراء مسح ميداني أساسي ليكون مرجعاً لعمليات الإغاثة. إلا أن المرصد انحرف عن ذلك ولم يقم بأي مسح ميداني، بل اعتمد على بيانات من عام 2021. ولهذا، اعتبرت الحكومة أن ذلك محاولة لتسييس العملية الإنسانية، فقررت الانسحاب. لكن انسحابها لا يعني تراجعاً عن التعاون في مجال العمل الإنساني.

يقول إبراهيم لـ”العربي الجديد”: “السودان يواصل التعاون من خلال فتح طرق لشاحنات الإغاثة، وأستبعد حدوث مجاعة، لأن البلاد تعتمد في غذائها على موارد متنوعة. كما أن الموسم الزراعي يعد بإنتاج جيد من محاصيل مثل الذرة والسمسم والقمح والفول السوداني، ولا تشير المؤشرات إلى وجود نقص أو فجوة في الغذاء، باستثناء في حركة الصناعة”.بدوره، يوضح المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان، عدلان حزام، لـ”العربي الجديد”. أنه “بعد 21 شهراً من القتال المستمر، يمكننا التأكيد أن الحرب أدت إلى أزمة إنسانية كارثية أثرت على جميع جوانب الحياة. حيث يوجد أكثر من 11 مليون نازح، وعشرات الآلاف بين قتيل وجريح، و80% من المنشآت الصحية متوقفة عن العمل. وما يزال القليل منها يعمل لكن بموارد محدودة، كما أن النزاع أثر على إمكانية الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، وخاصة الغذاء”.

يوضح حزام أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ بداية الصراع تسعى إلى تقديم المساعدة الإنسانية وتخفيف المعاناة من خلال تدخلات الحماية والمساعدة. وخاصة من خلال توفير المساعدات الطبية والدوائية للمستشفيات القريبة من مناطق القتال،.لتمكينها من تقديم الرعاية الصحية للجرحى والمرضى. وأعرب عن أمله في ألا يتجاهل المجتمع الدولي الوضع الإنساني الصعب في السودان، وأن تظل الأزمة السودانية موجودة في المناقشات وفي خطط الاستجابة الإنسانية.من ناحية أخرى، يؤكد عمار حسن بشير، مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة السودانية. لـ”العربي الجديد” أن “السودان ليس عرضة لمشكلة الجوع، وهذا ليس مجرد نفي بل هو واقع يشعر به الجميع في البلاد.

إن رفض النتائج التي توصل إليها مرصد الجوع هو حق سيادي، فإعلان المجاعة لا ينبغي أن يكون من قبل جهات خارجية أو منظمات أو مراصد غير حكومية. بل يجب أن يتم عبر الدولة وفق إجراءات وقواعد محددة تحكمها ضوابط رسمية.”يقول بشير: “إن مصطلح المجاعة لا يُستخدم على نطاق دولي. خاصة في الأوساط التابعة للأمم المتحدة، بل يتم استخدام كلمة الجوع في الأهداف التنموية. ومن غير الصحيح استخدام كلمة مجاعة بدلاً من الجوع، ويجب التفريق بينهما. يعاني السودان من نزاع داخلي له تأثيرات وعواقب، لكنها لا تصل إلى حد المجاعة، وتلك التأثيرات تقابلها وفرة في الإنتاج المحلي.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى