بين النفي والاتهام — حقيقة قصف مطار نيالا في قلب الصراع السوداني

في ظل تصاعد التوترات والصراعات العسكرية في السودان، أثارت مزاعم عن قصف مطار نيالا من قبل الجيش السوداني جدلاً واسعاً، بعد إعلان التلفزيون الرسمي عن تدمير طائرة إماراتية كانت تقل مسلحين أجانب، ما أسفر عن مقتل عشرات منهم. لكن هذه المزاعم قوبلت بردود فعل سريعة من قوات الدعم السريع التي نفت نفياً قاطعاً صحة هذه الاتهامات، مؤكدة أن نيالا تحت حماية كاملة، وأن الأخبار التي تداولتها بعض القنوات والمنصات هي حملة تضليل ممنهجة.
الادعاء الرسمي
أعلنت القوات الحكومية أن غارة جوية استهدفت طائرة في مطار نيالا، وهي الطائرة التي قالت إنها إماراتية وتقل مقاتلين من كولومبيا، فيما تحدثت تقارير عن سقوط ما لا يقل عن 40 قتيلاً من المسلحين. الخبر لم يصاحبه أي دليل بصري أو تقارير مستقلة، وهو ما أثار علامات استفهام كبيرة لدى مراقبين.
نفي قوات الدعم السريع
على الفور، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً رسمياً نفت فيه وقوع أي قصف على مطار نيالا أو محيطها، مؤكدة أن المدينة تحظى بحماية أمنية مشددة ومنظومات دفاع جوي حديثة تم تطويرها مؤخراً، والتي تمكنت من صد أي محاولة لاقتحام أجوائها، وأسقطت طائرات مسيرة إيرانية وتركية من طراز بيرقدار وأكانجي.
كما رفضت بشدة مزاعم وجود مقاتلين أجانب ضمن صفوفها، مؤكدة أن قوتها تأتي حصراً من أبناء السودان، واصفة الاتهامات بأنها “حملة تضليل قذرة” يطلقها خصومها بهدف تبرير خسائرهم المتكررة في جبهات القتال.
غياب الأدلة وتباين الروايات
الغموض يكتنف الحادثة بسبب عدم نشر أي صور أو مقاطع فيديو تثبت وقوع القصف أو وجود الطائرة المحطمة. الجانب الحكومي اكتفى ببيان مقتضب نقلته وسائل الإعلام الرسمية، في حين جاء نفي الدعم السريع مدعوماً بتفاصيل حول منظومات الدفاع الجوي التي يمتلكها وقدرتها على حماية الأجواء.
الأمر نفسه تكرر على مستوى الرد الإماراتي، حيث نفت أبوظبي بشكل قاطع وجود طائرة إماراتية أو مقاتلين كولومبيين على متنها، معتبرة أن هذه الادعاءات تندرج في إطار حملة تضليل وتشويه الحقائق.
تحليل السياق
تأتي هذه الاتهامات المتبادلة في ظل صراع مسلح محتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث يستغل كل طرف وسائل الإعلام لكسب التأييد وخلق رواية خاصة تدعم موقفه. الاتهامات المتكررة باستخدام مرتزقة أجانب، سواءً من قبل الجيش أو الدعم السريع، تمثل ورقة ضغط سياسية تُستخدم لتشويه الطرف الآخر وخلق حالة من عدم الثقة داخلياً وخارجياً.
كما أن استهداف اسم دولة مثل الإمارات في هذه المزاعم يحمل أبعاداً إقليمية تهدف إلى التأثير على العلاقات الدبلوماسية السودانية مع الدول العربية الداعمة، مما قد يعقد فرص الوساطة والحل السياسي.
الخلاصة
في غياب أدلة مادية وتوثيق مستقل، تبقى قصة قصف مطار نيالا وطائرة المرتزقة الكولومبيين واحدة من حالات التضليل الإعلامي التي تحيط بالنزاع السوداني. ومع اشتداد الحرب، تبدو المعركة الإعلامية التي يخوضها الطرفان بمثابة امتداد طبيعي للصراع، حيث تتشابك الحقائق مع الأخبار الملفقة، ويتوجب على المتابعين والمراقبين توخي الحذر والاعتماد على المصادر الرسمية الموثوقة.
في النهاية، تثبت هذه الحادثة أن حرب المعلومات باتت سلاحاً ذا تأثير بالغ في النزاع، ولعل حماية الحقيقة تبقى التحدي الأكبر أمام جميع الأطراف.
