النيل الأبيض بين لهيب الحرب ودموع الأبرياء

في السودان، لم يعد خبر الدمار والموت استثناءً، بل أصبح جزءًا من يوميات الناس الذين اعتادوا على العيش وسط حرب طويلة الأمد. غير أن ما جرى في ولاية النيل الأبيض خلال الأيام الماضية شكّل صدمة تتجاوز حدود السودان، حيث ضربت سلسلة هجمات مواقع عسكرية حيوية. امتدت من المنطقة الصناعية في كوستي إلى قاعدة كنانة الجوية. هذه الهجمات لم تقتصر على الجانب العسكري فقط. بل حوّلت حياة المدنيين إلى جحيم، وأدخلت البعد الإقليمي والدولي إلى عمق الأزمة.
-
احتجاز طلاب جنوب سودانيين أثناء أداء امتحانات الشهادة الثانوية في النيل الأبيض
-
كارثة صحية محتملة.. ضبط زيوت فاسدة في النيل الأبيض
الوقود… شريان الحياة ينزف
في بلد يعيش على الهامش الإنساني، يصبح الوقود أكثر من مجرد سلعة. إنه شريان يمد المستشفيات بالكهرباء، ويضمن تشغيل سيارات الإسعاف، ويمنح الأطفال في المدارس نورًا يضيء فصولهم. تدمير مستودع “الوسيلة” للوقود في كوستي لم يكن ضربة للجيش فحسب. بل كان استهدافًا لحياة الناس.
الأسر التي اعتادت بالكاد الحصول على جالون وقود لمولد صغير في منازلها وجدت نفسها اليوم بلا أمل. المستشفيات التي تعاني نقص الأدوية تجد نفسها في مواجهة ظلام دامس. هنا يتضح أن الحرب لم تعد بين عسكر وعسكر، بل صارت حربًا على الحياة نفسها.
-
الدعم السريع تُحكم سيطرتها على شمال النيل الأبيض في السودان
-
النيل الأبيض: مؤشرات على معارك طاحنة تلوح في أفق السودان
كنانة… حين تتقاطع الدماء بالسياسة
الهجوم على قاعدة كنانة الجوية كشف عن فصل جديد من المأساة. مقتل خمسة خبراء أتراك إلى جانب جنود سودانيين. وتدمير أجهزة تشويش وطائرة استطلاعية لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره رسالة سياسية واضحة: الصراع في السودان لم يعد شأناً داخلياً فقط.
دماء السودانيين امتزجت بدماء أجانب جاءوا لتركيب أنظمة عسكرية. فتحوّل المشهد إلى ساحة صراع بالوكالة. هل صار السودان مختبرًا لصراعات القوى الإقليمية؟ أليس في ذلك استهانة بكرامة الشعب الذي صار وطنه ملعبًا لغيره؟
-
الجيش السوداني يعتقل 4 محامين في النيل الأبيض ويقتادهم “معصوبي الأعين”
-
“الدعم السريع” تطبق الحصار على قوات البرهان في ولاية النيل الأبيض
المدنيون… الضحية الدائمة
في كل الحروب، يتحدث المتحاربون عن “أهداف عسكرية مشروعة”. لكن الحقيقة على الأرض أن المدنيين هم من يدفعون الثمن.
في النيل الأبيض، آلاف العائلات وجدت نفسها فجأة بلا وقود ولا كهرباء. أطفال لا يجدون حليبًا مبردًا، مرضى يحتاجون لغسيل كلى مهددين بالموت. ونساء يقطعن المسافات الطويلة للبحث عن مياه نظيفة بعد تلوث البيئة جراء تسرب النفط.
أليست هذه جرائم صامتة؟ أليست هذه حربًا ضد الإنسان أكثر من كونها حربًا ضد الجيش؟
-
الكباشي يلتقي وفد المقاومة الشعبية بولاية النيل الأبيض
-
للدفاع عن الدين الوطن والعرض.. والي النيل الأبيض يعلن الجهاد
الطائرات المسيّرة… سماء السودان لم تعد آمنة
إسقاط طائرة استطلاع مسيّرة في كنانة يمثل تحولًا خطيرًا في طبيعة الحرب. فالسودان، الذي كان يُعرف بصراع الجنود في الشوارع، دخل الآن مرحلة جديدة: مرحلة التكنولوجيا.
السماء لم تعد مفتوحة للطيور فقط، بل أصبحت تعج بطائرات مسيّرة ترصد وتستطلع وتقتل. بالنسبة للمواطن العادي، هذه ليست مجرد تفاصيل عسكرية. بل تعني أن الحرب صارت أقرب، وأن الموت قد يأتي من السماء بلا إنذار.
البعد الإنساني والقانوني
القانون الدولي واضح: حماية المدنيين واجب، واستهداف البنى التحتية التي يعتمدون عليها جريمة. لكن في السودان، القانون غائب، والجرائم تتراكم بلا محاسبة.
من يحاسب على تدمير المستودعات؟ من يتحمل مسؤولية حرمان المستشفيات من الوقود؟ من يجيب على أسئلة الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في ظل غياب الكهرباء أو انعدام الدواء؟
-
المعارك في السودان على أبواب النيل الأبيض وسنار
-
الجيش الأبيض يشعل النزاع مجدداً.. مخاوف من دوامة حرب أهلية جديدة
البعد العربي… إلى متى الصمت؟
السودان ليس جزيرة معزولة، بل قلب ينبض في جسد الأمة العربية. وما يحدث في النيل الأبيض ليس شأنًا سودانيًا محضًا، بل كارثة إنسانية تهدد الاستقرار العربي كله.
الصمت العربي أمام هذه المجازر لا يمكن أن يكون خيارًا. فكل قطرة دم تُراق هناك هي ناقوس خطر ينذر بانهيار دولة عربية جديدة، وبانتشار الفوضى في محيط يحتاج إلى الاستقرار.
اليوم، يقف السودان على مفترق طرق. إما أن يبقى رهينة لصراع لا ينتهي. تتحكم فيه أيادٍ داخلية وخارجية، أو أن ينهض بصوت عربي ودولي واحد يطالب بوقف الحرب وإنقاذ المدنيين.
الدموع التي تذرفها أمهات كوستي، والأنين الذي يخرج من غرف العمليات في مستشفيات النيل الأبيض، أقوى من أي بيان عسكري. إنها الحقيقة الصارخة: هذه ليست حربًا عادلة، إنها مأساة مفتوحة لا بد أن تتوقف.
-
جنوب السودان.. استعادة الناصر بعد معارك عنيفة مع الجيش الأبيض
-
كوستي تحت القصف.. عروس النيل تختنق في الظلام
