“المسيّرات” بدل المشاة في السودان
تحولت أدوات الصراع العسكري في السودان بشكل كامل، حيث أصبح الطرفان يعتمدان على سلاح المسيرات الموجهة عن بعد، عوضًا عن الجنود المشاة عند انطلاقة الحرب في 15 أبريل/ نيسان العام الماضي.
وبدأ الجيش السوداني أكثر استخدامًا للطائرات المسيرة في الحرب ضد قوات الدعم السريع، خصوصًا في منطقة أمدرمان خلال فبراير الماضي.
ووفقًا لمصادر أمنية فإن الجيش السوداني لم يخض أي معركة على الأرض مع قوات الدعم السريع في المناطق التي سيطر عليها مؤخرًا بـ”أحياء أمدرمان القديمة” ومنطقة الإذاعة والتلفزيون، وإنما كان يستخدم الطائرات المسيرة قبل أن يدخلها بعد ذلك عبر مشاة الجيش.
ومنذ بدء الحرب في 15 أبريل/ نيسان العام الماضي، بدا واضحًا تفوق قوات الدعم السريع في جانب المشاة على الجيش السوداني الذي آثر التخندق داخل مواقعه، وآثر بعد ذلك الاعتماد على سلاح الطائرات المسيرة.
وكانت تقارير غربية نُشرت في يناير/ كانون الثاني الماضي، تحدثت عن حصول الجيش السوداني على شحنة طائرات مسيرة من طراز مهاجر6 من دولة إيران، التي تسعى بالمقابل لإنشاء قاعدة بحرية دائمة في البحر الأحمر.
وساعدت المسيرات المتفجرة، التي قدمتها إيران للبرهان، على عكس الخسائر التي تكبّدها ضد قوات الدعم السريع، وفقًا لمسؤولين إقليميين ومحللين يتابعون القتال.
وفي الـ7 من مارس/ آذار الجاري كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن وجود قوات أوكرانية خاصة تقاتل مع الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم ضد قوات الدعم السريع، مستخدمة الطائرات المسيرة ومناظير الرؤية الليلية.
في المقابل يبدو أن قوات الدعم السريع لجأت بدورها لاستخدام الطائرات المسيرة ضد مواقع الجيش السوداني.
وأظهرت خلال اليومين الماضيين مقاطع فيديو، بثتها حسابات مقربة من قوات الدعم السريع على منصة “إكس”، تنفيذ عدد من الهجمات عبر الطيران المسير على مقار الجيش بالقيادة العامة وسط الخرطوم، وقاعدة وادي سيدنا العسكرية شمال مدينة أمدرمان، إضافة إلى مدينة بابنوسة غرب كردفان.
وما زالت هذه الحسابات على منصة “إكس” تروج لحصول قوات الدعم السريع على طائرات مسيرة قادرة على ضرب الأهداف بصورة دقيقة. كما تنشر مقاطع فيديو لاستهداف مواقع تقول إنها في مناطق سيطرة الجيش.
مواقع الصراع
ويحتدم الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حاليًا في عدة جبهات داخل العاصمة الخرطوم وبعض الولايات.
في الخرطوم يحتدم الصراع حول “سلاح الإشارة” التابع للجيش السوداني في مدينة بحري. حيث تعرض هذا الأسبوع .لأكثر من هجمة متتالية من قوات الدعم السريع في محاولة للسيطرة عليه.
وظلّ مقر “سلاح الإشارة” من بين 4 مقرات تابعة. للجيش في الخرطوم تحت سيطرته منذ بداية الحرب في الـ15 من أبريل الماضي، وهي: “سلاح الأسلحة” بمنطقة الكدرو. ومعسكر “حطاب”، شمال المدينة، ومعسكر “العيلفون” جنوب المدينة.
وكانت تقارير إعلامية أشارت إلى أن الجيش يُخطّط للقيام بعملية عسكرية تربط بين قواته في “سلاح الأسلحة” شمالي الخرطوم بحري و”سلاح الإشارة” جنوبي المدينة. أسوة بما جرى خلال الأيام الماضية في مدينة أمدرمان من ربط بين “سلاح المهندسين” جنوبًا ومنطقة كرري العسكرية شمالًا.
كما يحتدم الصراع في مدينة بابنوسة ولاية غرب كردفان التي تحتضن مقر قيادة الفرقة الـ22 مشاة التابعة للجيش السوداني، بينما تحاول قوات الدعم السريع السيطرة على المدينة لتضم الولاية لمناطق سيطرتها.
وكانت مصادر عسكرية أبلغت أن العمليات العسكرية في مدينة بابنوسة يقودها كل من قائد قطاع غرب دارفور اللواء عبد الرحمن جمعة، وقائد قطاع شرق دارفور العميد حسن نهار. إضافة إلى قائد قطاع جنوب دارفور اللواء صالح الفوتي.
ومنذ يناير/ كانون الأول الماضي تشهد مدينة بابنوسة معارك بين الحين .والآخر بين قوات الدعم السريع التي تُطوّق مداخل ومخارج المدينة. والجيش السوداني المتحصن بدفاعاته داخل مقر الفرقة الـ 22 مشاة.
وأدى الصراع على مدينة بابنوسة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية. بعد أن خرجت كل المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، كما توقّفت مصادر المياه في المدينة.
وتبعُد مدينة بابنوسة نحو 600 كم عن العاصمة الخرطوم. وتعدّ من المدن الإستراتيجية في البلاد، ومن المحطات الرئيسة للسكك الحديدية. حيث تربط غرب السودان بشماله وشرقه.
وتتخذ مدينة الفاشر شمال دارفور وضعية مشابهة للأوضاع في مدينة بابنوسة غرب كردفان. إذ إن الفاشر التي تحتضن مقر الفرقة السادسة هي المكان الوحيد الذي يتواجد فيه الجيش بإقليم دارفور.
وضعية الفاشر
وشهدت المدينة خلال الأيام الماضية اشتباكات متقطعة بين الجيش وقوات الدعم السريع. إضافة إلى الغارات الجوية المكثفة .التي يشنها الطيران الحربي التابع للجيش على المدينة.
وحسب مصادر أمنية فإن الغارات المتوالية من طيران الجيش على مدينة الفاشر، هي محاولة للتغطية على إدخال سلاح .وطائرات مسيرة لمقر قيادة الجيش في المدينة.
وحسب المصادر فإن الجيش يُخطط لإخراج قوات الدعم السريع من مدينة الفاشر .ومن ثم يتخذ المدينة منصة انطلاق لبقية مدن إقليم دارفور. وذلك باستخدام سلاح الطائرات المسيرة الذي جربه في مدينة أمدرمان.
وأمس الخميس أعلنت قوات الدعم السريع في بيان على منصة “إكس” أنها “تمتلك معلومات .وأدلة دامغة على محاولات لإدخال الأسلحة .والذخائر إلى مناطق في دارفور ومدينة الفاشر في شمالي دارفور على وجه التحديد. لخلق فتن قبلية تعيد دارفور لمربع الصراع الإثني المدمر. وذلك ضمن تحالف بعض فصائل حركات دارفور مع المؤتمر الوطني وكتائبه الإرهابية” وفقًا للبيان.
أما ولاية الجزيرة وسط السودان التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فعادت الأوضاع فيها إلى دائرة الصراع. حيث يحشد الجيش السوداني حاليًا قواته على المدن المجاورة للولاية في محاولة لاستردادها.
ودخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها الـ12 وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية للمدنيين، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 13 ألف شخص. وتشريد نحو 8 ملايين شخص موزعين بين النزوح الداخلي، واللجوء إلى دول الجوار.