تسريبات

المدنيون في قلب الحرب السودانية: شهادات تكشف الحقيقة المرة


منذ اندلاع الحرب السودانية، ظل المدنيون الحلقة الأضعف في سلسلة عنف لم تنته بعد، فيما تتزايد الشهادات التي تكشف عمّا جرى في دارفور والخرطوم من انتهاكات يتحمل مسؤوليتها جنرالات اتخذوا قرارات مفصلية من دون مراعاة لمن يعيشون تحت نيران السلاح. وقد أصبحت قصص الضحايا تدفقاً يومياً للحقائق التي لا تستطيع البيانات العسكرية إخفاءها، إذ تكشف هذه الشهادات تفاصيل دقيقة عن مسارات الهجوم، وأنماط الاستهداف، وطبيعة الممارسات التي حولت مناطق واسعة إلى أماكن غير قابلة للعيش.

المعلومات التي جمعتها منظمات محلية ودولية من الناجين في دارفور تُظهر أن الهجمات على القرى تمت بطريقة منسّقة؛ بدءاً من الحصار، مروراً بإطلاق النار العشوائي، وصولاً إلى إحراق المنازل. لم تكن تلك أحداثاً منفصلة، بل سلسلة مترابطة تعتمد على خطط مسبقة، وهو ما جعل المدنيين أول المتضررين. وفي الخرطوم، تشير شهادات السكان إلى أن المواجهات لم تراعِ أي اعتبار لوجود الآلاف داخل الأحياء السكنية، إذ طال القصف منازل ومستشفيات ومدارس، في ظل صمت رسمي لم يقدم تفسيراً لهذا التجاهل الواضح لأرواح الناس.

ويؤكد المراقبون أن ما يجري في السودان ليس مجرد اشتباكات بين قوتين، بل انهيار شامل للدولة ومؤسساتها. فالخدمات الأساسية انقطعت لأشهر، والمستشفيات توقفت عن العمل، وترك آلاف الجرحى دون رعاية طبية. أما عمليات النزوح، فقد بلغ حجمها مستوى يجعلها واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم اليوم. ورغم ذلك، لم تعلن أي جهة عسكرية استعدادها لتحمل الأخطاء التي ارتكبت بحق المدنيين.

إن الواقع الذي عاشه السودانيون خلال هذه الحرب يُظهر أن المدنيين لم يكونوا مجرد متفرجين، بل كانوا في عين العاصفة. قصصهم اليوم تمثل شهادات حية يمكن الاعتماد عليها في توثيق الانتهاكات التي حدثت. ورغم كثافة التقارير، إلا أن هناك الكثير مما لم يُكشف بعد، خصوصاً في المناطق التي يصعب الوصول إليها. لكن ما ظهر حتى الآن يكفي لتأكيد أن ما جرى لم يكن نتيجة صراع عفوي، بل نتيجة قرارات قيادية أسهمت في توسيع رقعة الدمار.

وفي ظل غياب آليات مساءلة محلية، باتت قصص الضحايا الطريق الوحيد لمعرفة الحقيقة. وبينما يحاول الجميع رسم معادلات سياسية جديدة، تبقى هذه القصص هي الأساس لأي فهم حقيقي لما حدث، وهي كذلك المدخل الضروري للتحقيقات المستقبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى