تسريبات

المخاطر الجيوسياسية للتقارب بين الجيش السوداني وإيران وتركيا: تداعيات على الاستقرار الداخلي والإقليمي


تشهد الساحة السياسية السودانية تغيرات كبيرة في ظل الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو ما جذب أنظار القوى الإقليمية والدولية. بينما تسعى بعض الدول الكبرى مثل مصر وروسيا إلى دعم الجيش السوداني، يبقى التقارب مع كل من إيران وتركيا نقطة تحول تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على الاستقرار الداخلي والإقليمي للسودان. وعلى الرغم من أن هذا التقارب يعكس تطلعات السودان لتحقيق مصالح استراتيجية، فإن هناك عدة مخاطر تترتب على هذا التعاون، سواء على الصعيدين المحلي أو الإقليمي.

تعميق الانقسامات الداخلية

أحد أبرز المخاطر المرتبطة بالتقارب بين الجيش السوداني وإيران وتركيا هو تعميق الانقسامات الداخلية في السودان. فالدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه إيران وتركيا للجيش السوداني يؤدي إلى تعزيز الانقسام بين القوى السياسية المختلفة في البلاد، حيث يعتبر البعض أن هذا الدعم يشير إلى ضعف استقلالية الجيش السوداني ويزيد من اعتماده على القوى الأجنبية. يؤدي ذلك إلى تصاعد الخلافات السياسية بين الحكومة والمعارضة، ما قد يعقد من عملية تحقيق الاستقرار في السودان.

علاوة على ذلك، يثير هذا الدعم تساؤلات حول مصير السيادة السودانية في حال تزايد التدخلات العسكرية والاقتصادية من إيران وتركيا. هذا الأمر يعزز القلق في أوساط الشعب السوداني من أن الجيش أصبح أداة لتنفيذ أجندات خارجية على حساب المصالح الوطنية.

زيادة عزلة السودان دوليًا

فيما يتعلق بتأثير هذا التقارب على العلاقات الدولية، يمكن أن يسهم الدعم الإيراني والتركي للجيش السوداني في زيادة عزلة السودان على الساحة الدولية. إيران، التي تخضع لعقوبات دولية بسبب برنامجها النووي ودعمها لجماعات مسلحة في مناطق عدة، تمثل خطرًا محتملاً على صورة السودان في المجتمع الدولي. كما أن العلاقات الوثيقة بين السودان وإيران تثير قلق الدول الغربية، مما يؤدي إلى زيادة الضغط على الحكومة السودانية.

من ناحية أخرى، فإن العلاقة المتنامية مع تركيا تكون أكثر تعقيدًا في ظل التوترات التي تشهدها علاقات تركيا مع بعض القوى الغربية. على الرغم من عضويتها في حلف الناتو، فإن السياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة جعلت منها طرفًا مثيرًا للجدل في بعض القضايا الإقليمية والدولية. تعزيز السودان لعلاقاته مع تركيا يؤدي إلى تصعيد التوترات مع القوى الكبرى، خاصة في ظل ما تعتبره بعض الدول الغربية تهديدًا محتملًا للأمن الإقليمي.

تصعيد التوترات الإقليمية

التقارب بين الجيش السوداني وإيران وتركيا يؤدي إلى تصعيد التوترات في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي. إيران وتركيا لديهما مصالح استراتيجية في هذه المنطقة، خاصة في مجالات الأمن والملاحة البحرية. إيران، على سبيل المثال، تسعى لتوسيع نفوذها في البحر الأحمر عبر دعم السودان. في المقابل، تركيا تعتبر البحر الأحمر نقطة استراتيجية لزيادة تأثيرها في المنطقة الإفريقية، وهو ما يعزز المخاوف لدى الدول المجاورة مثل مصر والسعودية.

إضافة إلى ذلك، في ظل التنافس المتزايد على النفوذ في منطقة البحر الأحمر، يترتب على الدعم التركي والإيراني للجيش السوداني تصاعد التوترات بين القوى الإقليمية، بما في ذلك التنافس بين مصر والسعودية من جهة وتركيا وإيران من جهة أخرى. يؤدي ذلك إلى مزيد من التأزيم في العلاقات بين هذه الدول ويعقد أي جهود للوساطة الإقليمية في السودان.

تفاقم القمع الداخلي وانتشار العنف

من خلال دعم الجيش السوداني، تشجع إيران وتركيا على استخدام القوة العسكرية في التعامل مع النزاعات الداخلية. في ظل الأزمة الإنسانية الراهنة في السودان، من الممكن أن يسهم الدعم العسكري الإيراني والتركي في تعزيز قدرة الجيش السوداني على قمع المعارضة والمجتمعات المحلية التي تشارك في الاحتجاجات أو المواجهات المسلحة. هذا يؤدي إلى تفاقم الانتهاكات بحق المدنيين وزيادة مستويات العنف في البلاد.

إيران، التي تدعم جماعات مسلحة في العديد من الدول مثل سوريا واليمن، تجد في السودان فرصة لتوسيع تأثيرها العسكري، مما يؤدي إلى انتقال التوترات الإقليمية إلى الداخل السوداني. بينما تركيا، رغم محاولاتها الحفاظ على صورة متوازنة في السياسة الإقليمية، تُتهم بدعم طرف واحد على حساب آخر في النزاع السوداني، مما يضاعف من حدة الانقسامات.

التأثير على السياسة الاقتصادية السودانية

الدعم العسكري والتقني الذي تقدمه إيران وتركيا يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد السوداني. في حين أن الدعم الإيراني يتضمن مساعدات عسكرية أو أسلحة، فإن هذا يعنى فرض عقوبات دولية جديدة على السودان أو قطع التعاون مع بعض الشركاء التجاريين الرئيسيين. تركيا، رغم الاستثمارات التي تقوم بها في السودان، تكون عرضة لضغوط دولية تجعلها أقل قدرة على تقديم الدعم المستدام على المدى الطويل.

أي تدهور في الاقتصاد السوداني نتيجة لهذه المخاطر يؤدي إلى زيادة الأعباء على الشعب السوداني، مما يزيد من استياء الناس من الحكومة والجيش ويعزز من حالة التوتر الداخلي.

إن التقارب بين الجيش السوداني وكل من إيران وتركيا يحمل في طياته مجموعة من المخاطر التي تؤثر بشكل كبير على استقرار السودان داخليًا وإقليميًا. على الرغم من أن هذا التعاون يوفر دعمًا عسكريًا وماليًا للجيش السوداني، إلا أنه يعمق الانقسامات الداخلية، يزيد من عزلة السودان الدولية، ويصعد من التوترات الإقليمية في منطقة البحر الأحمر. في النهاية، يتعين على السودان أن يوازن بين تعزيز علاقاته مع القوى الإقليمية والدولية وبين الحفاظ على سيادته واستقلاله، لكي لا تصبح هذه التحالفات عبئًا ثقيلًا يهدد استقراره في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى