تسريبات

اللاجئون السودانيون في الدول المجاورة.. معاناة مستمرة بين التهجير والتضييق


تسببت المواجهات المستمرة بين قوات الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في تفاقم أزمات النزوح واللجوء، مما جعل أزمة اللجوء تثير القلق بشكل خاص بسبب عدم استقرار المنطقة المحيطة. تحد السودان دول تعاني من تقلبات سياسية واقتصادية، مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وإثيوبيا وإريتريا وليبيا وجنوب السودان ومصر. بناءً على ذلك، وصف رئيس الإغاثة الإنسانية والطوارئ في الأمم المتحدة السودان بأنه “واحد من أسوأ الكوابيس الإنسانية في التاريخ الحديث”.
أعلن منسق الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مامادو ديا بالده، أن عدد اللاجئين الفارين من السودان قد تجاوز 3 ملايين، ووصف ذلك بأنه “كارثة” ناجمة عن تزايد عنف النزاع. كما حذرت الأمم المتحدة من أن عدد اللاجئين السودانيين الهاربين من الصراع العنيف قد بلغ مستوى قياسيًا في عام 2024، حيث شهدت تشاد وحدها تدفق حوالي 25 ألف لاجئ من السودان خلال الأسبوع الأول من أكتوبر 2024، نتيجة لعدم استقرار الأوضاع في البلاد.
من بين الدول الإفريقية، يعتبر التحدي المتعلق بإدارة التنوع الإثني من أكثر الأمور تعقيدًا في السودان، وهو أحد الأسباب وراء الحروب المتعددة، بما في ذلك الحرب الأهلية التي خاضتها “الحركة الشعبية لتحرير السودان” وجيشها الشعبي بقيادة جون قرنق ضد الحكومة المركزية منذ خمسينيات القرن الماضي، والتي انتهت بانفصال الإقليم في عام 2011. بالإضافة إلى حرب دارفور التي واجهت فيها الحركات المسلحة في الإقليم نظام الرئيس السابق عمر البشير منذ عام 2003 وحتى الآن. كما استمرت الحرب الحالية منذ أبريل (نيسان) 2023. ورغم وجود روابط لغوية وإثنية بين اللاجئين السودانيين وبعض دول الجوار تساهم في إيجاد مواقف أكثر إيجابية، إلا أن هناك العديد من المخاوف لا تزال قائمة. حيث ترتبط الروابط اللغوية والثقافية بين اللاجئين السودانيين من شمال السودان والسكان المستضيفين في مصر، خصوصًا في أسوان، وكذلك مع اللاجئين من إقليم دارفور وقبائل تشاد، وكذلك بين اللاجئين من منطقة النيل الأزرق وشرق السودان ودول شرق إفريقيا.
تقاسم المسؤولية
بينما تم التركيز بشكل كبير على ما يُعرف بـ “أزمات” اللاجئين في أوروبا وبعض الدول الغنية، فإن غالبية اللاجئين في العالم لا يزالون يعيشون في الجنوب العالمي، وغالبًا في دول مجاورة لوطنهم. يُلاحظ أن القليل من الاهتمام يُعطى لتأثير هذه الظروف على الدول الفقيرة، أو لمعاناة اللاجئين داخل حدودها. فاللاجئون لا يحدثون تأثيرًا دائماً، بل يعتمد ذلك على عوامل معينة، أبرزها ما إذا كان وجودهم مرتبطًا بتوترات سياسية في البلد المضيف. معظم اللاجئين السودانيين يعيشون في دول تعاني هي أيضًا من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة.
قدّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2020 أن 73% من اللاجئين يقيمون في دول مجاورة، حيث تستضيف الدول النامية حوالي 85% من إجمالي اللاجئين في العالم. وارتفع عدد اللاجئين تحت ولاية المفوضية المقيمين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 2.2 مليون إلى 6.3 مليون، وقد تضاعف هذا العدد الآن نتيجة الحرب الحالية في السودان، مما أدى إلى تغيير كبير في أعداد اللاجئين.
في عام 2018، أعلن المجتمع الدولي عن توقيع اتفاق دولي جديد يتعلق باللاجئين كوسيلة لتعزيز “تقاسم المسؤولية” في حمايتهم. ومع ذلك، انتقد البعض الميثاق لأنه، على الرغم من وعوده بالتركيز أكثر على الأسباب الجذرية وراء تدفقات اللاجئين وتشجيع جميع الدول على تحمل المسؤولية في حمايتهم، قد يكون في الواقع خطوة إلى الوراء، حيث يمكن أن يضعف المبادئ الدولية لقانون اللاجئين ويؤثر سلباً على حماية النساء والأطفال. وقد اعتبر المعارضون أن الميثاق يمثل اتفاقاً غير ملزم ولا يتضمن تدابير فعّالة لتقاسم المسؤولية، مشيرين إلى أن بنوده تدعو إلى سياسات مثل تأمين الحدود وإعادة اللاجئين بشكل قسري من قبل الاتحاد الأوروبي، بينما يبقى من المشكوك فيه ما إذا كانت الدول الأكثر ثراء ستوافق فعلاً على تحمل مسؤولية أكبر في حماية اللاجئين الذين تستضيفهم الدول الأخرى بكثافة.
ورقة إثنية
في العديد من الدول التي تواجه تدفق اللاجئين الناتج عن الحروب، يوجد عامل من الرفض تجاه هؤلاء اللاجئين لأسباب متعددة، مثل أن وجودهم قد يهدد التركيبة الإثنية في البلاد ويسهم في عدم الاستقرار أو يؤدي إلى صراع إثني في دولة اللجوء. وبناءً على سياسة القوة الإثنية، فإن التهديد المحتمل الآخر هو أن يكون هؤلاء اللاجئون من مجموعة إثنية مهمشة في البلدان المستضيفة، كما حدث مع المتمردين من حركات دارفور الذين استوعبهم العقيد معمر القذافي في ليبيا وقدّم لهم الدعم العسكري، لكن عندما انتهى غرضه من هذا التحالف، قام باستبعادهم خوفًا من أن يعززوا النفوذ الديموغرافي والسياسي لإثنيات التبو في جنوب ليبيا.
ذكرت عميدة الأبحاث في كلية العلوم الإنسانية بجامعة “نورث كارولاينا” في شارلوت، بيث إليز وايتاكر، في دراسة أعدتها أن “تحركات اللاجئين تساهم في انتقال الصراعات من بلد إلى آخر. ففي حالة جمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا، كان تدفق اللاجئين الروانديين إلى شرق الكونغو عام 1994 سبباً في اندلاع الحرب هناك عام 1996 مرة أخرى عام 1998. ومع ذلك، كانت هجرة اللاجئين عام 1994 إلى غرب تنزانيا relativamente سلمية ولم تؤد إلى تفجر المزيد من الصراعات”.
أوضحت وايتاكر أنه من خلال دراسة أوجه التشابه والاختلاف بين الحالتين، فإن “الظروف التي قد تؤدي فيها الهجرة الجماعية للاجئين إلى تفشي الصراع تتمثل في دخول اللاجئين إلى سياق سياسي موجود، مما يؤدي إلى تشكيل تحالفات جديدة وتغيير التحالفات السابقة. في بعض الحالات، قد تنشأ صراعات نتيجة استخدام اللاجئين كأداة إثنية في السياسة المعقدة أصلاً في بلد اللجوء. ورغم أن لكل حالة دينامياتها الخاصة، إلا أنه في حالات أخرى لا تحدث هذه الصراعات.”
صدام قومي
يمكن أن تكون هناك أسباب أخرى وراء الحراك القومي لا ترتبط مباشرة بالإثنية. وفي هذا السياق، أشار الباحث الاجتماعي في جنوب السودان، أتيم سايمون، إلى أن “الحراك القومي الذي يواجه اللاجئين السودانيين في دول اللجوء قد يكون نابعاً من مخاوف متعددة لدى المواطنين في تلك البلدان، خصوصاً أن هؤلاء اللاجئين قدموا بمهارات جديدة في مجالات العمل المختلفة، خاصة الذين جاءوا من مناطق حضرية ولديهم مستوى تعليمي يُعتبر رأسمالاً مؤثراً في سوق العمل”.
أوضح سايمون أن إحدى المشكلات التي واجهت اللاجئين السودانيين في دول شرق أفريقيا هي المنافسة على الوظائف، حيث يشعر السكان المحليون أن هؤلاء اللاجئين حصلوا بسرعة على فرص عمل في العديد من القطاعات التي تفوقوا فيها، خصوصاً في المجالات التي تتطلب شهادات أكاديمية وخبرات عملية طويلة، مثل القطاعات الطبية والفنية وقطاعات البناء والهندسة.
وأضاف الباحث الاجتماعي أن “هناك تفضيل أيضًا في مجالات العمل المدني والمنظمات وداخل مكاتب الأمم المتحدة، وذلك بسبب الخبرات التي اكتسبها السودانيون مع هذه المنظمات داخل السودان، حيث يتم توظيفهم بسرعة في مجالات حضرية”.
أوضح أن “التجارب تشير إلى أن اللاجئين السودانيين تمكنوا من الحصول على أرباح سريعة في الدول المجاورة، حتى أولئك الذين وصلوا بدون رأس مال استطاعوا خلق فرص عمل في سوق العمل. فالتنافس في دول شرق أفريقيا متاح ويعتمد على الخبرات التي يقدمها الفرد، مما ساهم في تشكيل صورة جديدة للاجئ، وخاصة أولئك الذين دخلوا مجالات التدريس الجامعي”.
وخلص سايمون إلى أن “الصراع القومي في هذه المنطقة نشأ بفعل هذه العوامل مما أحدث نوعاً من الحساسية وأثار المشاعر القومية كوسيلة وحيدة لديهم. وهذا يعد أحد أشكال رهاب الأجانب، وفي الجغرافيا البشرية يوضح أن العمالة الماهرة والمدربة التي يتمتع بها اللاجئون قد وفرت قوة عاملة متمرسة وأوجدت ثروة نسبية تهدد بإزاحة العمال المحليين إذا لم يدخلوا في منافسة حاسمة.”
موجة متصاعدة
في يونيو الماضي، بدأت حملة على منصات التواصل الاجتماعي ضد مجتمع اللاجئين في مصر، خاصة على منصة “إكس”. يتم التدوين تحت عبارات تتعلق بالحضارة المصرية القديمة وتروج للقومية المصرية. وقد تبنت هذه الحملة مجموعة تُعرف باسم “أبناء كيميت” أو “الكمايتة” باللهجة المصرية. يعود اسم “كيميت” إلى مصر القديمة، ويعني “الأرض السوداء”، ويُعتقد أنه مستمد من التربة الخصبة التي تظهر عند انحسار فيضان النيل في أغسطس من كل عام.
أطلق هذا التيار شعارات رئيسية في مصر، مثل “ادعم الشرطة المصرية ضد اللاجئين”، “ارجع إلى بلدك يا لاجئ”، “مصر للمصريين”، “ترحيل اللاجئين واجب وطني”، و”الطالب المصري أولى بجامعاته”. أما اللاجئون المستهدفون، فقد تم ترتيبهم كالتالي: اللاجئون والمهاجرون السودانيون، ثم اللاجئون والمهاجرون الأفارقة، يليهم اللاجئون والمهاجرون اليمنيون والسوريون، وأخيراً بقية اللاجئين والمهاجرين المتواجدين في مصر.
حمل الخطاب المعادي للاجئين مسؤولية الأزمة الاقتصادية وأزمة مياه النيل وانقطاع الكهرباء. وقد أدى ذلك إلى تفشي انتهاكات حقوقية ضدهم، حيث تعرضوا لاستهداف على أساس اللون والعرق، إضافة إلى بعض حالات الاعتداء اللفظي والبدني.
تذكر أن مصر في فترة رئاسة محمد أنور السادات حاولت الابتعاد عن التيار القومي العربي الذي prevailed في عهد جمال عبد الناصر، حيث بدأت تظهر ملامح فرعونية خلال المناسبات الوطنية، وكان الهدف من ذلك هو عزل مصر عن محيطها العربي خصوصاً بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”.
أفاد موقع إلكتروني مصري مستقل بأن “مصر تواجه تصاعدًا في الخطابات العنصرية تستهدف الأفارقة في محاولة لتعزيز الحضارة المصرية. ويظهر ذلك في جماعة (الكيميتيين)، التي ليست جديدة في جوهرها، حيث إن مصر المعاصرة منذ القرن التاسع عشر انغمرت في مسألة الهوية بين من يعتبر أن العروبة هي المكون الأساسي وربما الوحيد، ومن يعتقد أن الإسلام هو البديل، ومن يرفضون كلا الأمرين ويعتبرونهما أفكارًا فرضها الاستعمار بهدف طمس الهوية الحقيقية لمصر (الفرعونية)”.
ممارسات متوقعة
من خلال تجربتها كلاجئة في مصر، أوضحت الاستشارية الاجتماعية السودانية فوزية حسين أن “معاناة اللاجئين تبدأ قبل وصولهم إلى الدول الأخرى بسبب فقدانهم لمصدر أمانهم ومكان إقامتهم، والألم الذي يستمر بداخل كل لاجئ هو مسألة تقبلهم من قبل الآخرين”.
وأشارت حسين إلى أن “المعاناة الاجتماعية مع القوميات الأخرى تؤدي إلى حالة من الضياع، خصوصاً عند التعامل مع أسئلة تتعلق بالهوية والاختلاف وضرورة التكيف والتعايش، بالإضافة إلى محاولات الالتزام، حيث أن اللاجئ يُعتبر ضيفاً قد لا يتمتع بالعديد من الحقوق”.
أفادت الباحثة الاجتماعية أن “اللاجئين السودانيين في مصر لا يعانون بشكل كبير، نظراً لتشابه الثقافة بين البلدين، إلا أن هناك بعض الانتهاكات المتمثلة في أشكال من العنصرية ومعاملة السودانيين كأنهم ينتمون إلى فئة أقل مرتبة، بالإضافة إلى رفع أسعار المواد الأساسية بشكل مبالغ فيه خصيصاً للاجئين، فضلاً عن تعامل البعض معهم بتعالي، باعتبارهم عبئاً على المجتمع”.
لكنها أوضحت أن “هذه التصرفات متوقعة ويجب أن يتكيف اللاجئون معها، وهي أقل وطأة من المعاناة التي يواجهها اللاجئون في الدول ذات الثقافات المختلفة، أو عندما توجد مشاكل في التواصل أو اختلاف في اللغة”.
وأوضحت: “أظهرت الأبعاد الإنسانية لتجربة اللجوء وجود توترات متعددة، إذ أن اللاجئين بدلاً من أن يتطور لديهم شعور بالاندماج والهويات المتجانسة، ينشئون شعورًا بالانفصال. ومن هنا تأتي أهمية (هوية اللاجئ) وتجربة التهميش كعوامل رئيسية في تشكيل أنماط غير مألوفة داخل مجتمعات اللاجئين. كما أشار الباحثون إلى أهمية بلد المنشأ بالنسبة للاجئين، وما يحمله هؤلاء من (جسر الذاكرة) العاطفي مع قوميات مشابهة، بالإضافة إلى تقييم مدى ملاءمة بلد اللجوء ليكون وطنًا بديلاً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى