الفاشر تحت قبضة الدعم السريع: انهيار دفاعات القوات المشتركة ونزوح منظم للسكان

تقترب مدينة الفاشر من نهاية فصل دامٍ من المواجهات المسلحة، مع إحكام قوات الدعم السريع سيطرتها على الجزء الأكبر من المدينة، وسط تراجع ملحوظ في قدرات القوات المشتركة، وتزايد وتيرة النزوح المدني، ما يعزز التوقعات بإعلان وشيك لـ”النصر الكامل” من قبل قيادة الدعم السريع، رغم عدم صدور بيان رسمي حتى الآن.
مصادر عسكرية وشهود عيان من داخل المدينة أكدوا أن الاشتباكات باتت محصورة في جيوب متفرقة، بينما تمتد سيطرة الدعم السريع لتشمل مفاصل حيوية من الفاشر، بما في ذلك طرق الإمداد ومداخل الأحياء الرئيسية. وتحدثت المصادر عن انهيار سريع في بعض وحدات القوات المشتركة، ما دفع أعدادًا متزايدة من المدنيين لمغادرة المدينة عبر ممرات آمنة، وُضعت تحت إشراف عناصر الدعم السريع.
ووفقًا لشهادات من السكان، فقد اتسمت عمليات النزوح هذه بانضباط ملحوظ، في ظل انتشار عناصر الدعم السريع لتنظيم تحركات العائلات وتوجيهها إلى نقاط تجمع مؤقتة، بعيدًا عن مناطق الاشتباك. وأكد العديد من المدنيين المغادرين أن القوات لم تعترض طريقهم أو تفرض عليهم قيودًا، بل سهلت عمليات الخروج بالتنسيق مع فعاليات مجتمعية محلية.
في المقابل، قررت بعض العائلات في أحياء مثل الزهور والميرغنية البقاء في منازلها، مدفوعة بما وصفته بـ”تفهم شعبي واتفاقات ضمنية” مع القوات المسيطرة، تقضي بعدم التعرض للمدنيين وعدم ممارسة أي أعمال انتقامية. ويرى مراقبون أن هذا التحول يعكس تطورًا في منهج الدعم السريع خلال مراحل السيطرة، مقارنةً بتجارب شهدت انتهاكات في مدن أخرى خلال النزاع.
من جهة أخرى، بدأت قوات الدعم السريع بالتعاون مع منظمات محلية وجهات أهلية، عمليات لتوفير الاحتياجات الأساسية للعائلات المتبقية، بما في ذلك الغذاء والماء، وذلك عبر إدخال قوافل مساعدات إنسانية إلى الأحياء الخاضعة لسيطرتها. وقد تزامن ذلك مع فرض حظر تجوال جزئي في بعض المناطق التي ما تزال تشهد توترًا أمنيًا.
وبينما يراقب النازحون تطورات الأوضاع من القرى المجاورة، عبّر العديد منهم عن أملهم في العودة القريبة إلى ديارهم. وقال أحد المواطنين، ويدعى أحمد.م، إن عملية الخروج كانت سلمية: “الدعم السريع تولّى تنظيم تحركنا، لم نشهد فوضى أو عنف، فقط تعليمات واضحة وتنظيم جيد”.
في المقابل، تُظهر بعض الجيوب المتبقية للقوات المشتركة علامات مقاومة، لكنها محدودة، مع ورود تقارير عن تفتيشات انتقائية وتضييق على المدنيين في تلك المناطق، مما يدفع المزيد من السكان إلى الهروب نحو ممرات آمنة.
ويُجمع مراقبون ميدانيون على أن ما تشهده الفاشر اليوم يمثل مرحلة حاسمة في خارطة النزاع بدارفور، حيث يبدو أن قوات الدعم السريع بصدد استكمال بسط نفوذها على المدينة، تمهيدًا لمرحلة جديدة من الحكم الأمني والإداري، تُرافقها تحديات كبرى في ما يخص إدارة الوضع الإنساني والخدماتي وإعادة الاستقرار للمجتمع المحلي.
رغم الغموض الذي لا يزال يحيط بالمرحلة المقبلة، فإن التطورات الجارية في الفاشر تعكس تغيرًا كبيرًا في ميزان القوى الميداني، وقد تُمهّد لنهاية مواجهة طويلة أنهكت المدينة وسكانها، وتفتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول مستقبل دارفور في ظل هذا التحول العسكري والسياسي.
