تسريبات

العملة السودانية في مهب الصراع.. من مشروع وطني إلى أداة حرب


وصف وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، عملية استبدال العملة جزئيًا بأنها “مشروع وطني” يهدف إلى تحديث النظام المالي في البلاد. وأشار إلى أن السودان تأخر في اعتماد الأنظمة الإلكترونية التي تتيح رصد حركة الأموال ومراقبة الأنشطة المالية المشبوهة، وهو ما يعكس الحاجة الملحة لتطوير البنية التحتية المالية. تأتي هذه التصريحات في ظل احتجاجات عمال “سواكن” الذين عبروا عن استيائهم بسبب تأخر صرف مستحقاتهم نقدًا، بالإضافة إلى شكاوى المواطنين في مدينة القضارف من نقص السيولة، مما زاد من مخاوفهم بشأن التحديات المرتبطة بموسم الحصاد.

بدأت البنوك السودانية في سبع ولايات تحت السيطرة العسكرية، منذ العاشر من ديسمبر الماضي، في تنفيذ عمليات استبدال فئات “ألف جنيه” و”خمسمائة جنيه” بأوراق نقدية جديدة. وتستمر البنوك في قبول العملات القديمة في الولايات التي تأثرت بالحرب أو التي تقع تحت سيطرة “قوات الدعم السريع” حتى يتم استبدالها بالكامل. تشمل هذه العمليات ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف ونهر النيل والشمالية وسنار وبعض مناطق النيل الأبيض والنيل الأزرق، بالإضافة إلى جزء من العاصمة الخرطوم.

ومع ذلك، لم تتمكن 11 ولاية من أصل 18 ولاية من إجراء عمليات استبدال العملة بسبب سيطرة “قوات الدعم السريع” على تلك المناطق. هذا الوضع يعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة السودانية في إدارة النظام المالي في ظل الظروف الحالية، حيث تسعى إلى تحقيق الاستقرار المالي وتعزيز الثقة في النظام المصرفي.

عمليًا، وبحسب آراء الخبراء، تحولت عملية استبدال العملة إلى أداة صراع بين الجيش و”قوات الدعم السريع”، حيث اعتبرت “قوات الدعم” العملات الجديدة “غير معتمدة” في المناطق التي تسيطر عليها، وأفادت بأن العملات القديمة لا تزال “صالحة”.

واجهت العملية العديد من الصعوبات الفنية والإدارية، حيث عجزت البنوك عن استيعاب تدفقات المواطنين، مع استمرار طوابير طويلة من الذين يحاولون استبدال عملاتهم. بالتزامن، نشطت “سوق سوداء” خارج البنوك، لاستبدال العملات القديمة مقابل خصم يتراوح بين 15 و20 في المائة.

لإعادة السيولة إلى النظام المصرفي، فرض “بنك السودان المركزي” على البنوك فتح حسابات للمواطنين، لكن بسبب الحرب، لم تتمكن البنوك من تلبية الطلب المرتفع، وأيضًا حدد البنك هامش السحب اليومي بـ200 ألف جنيه (حوالي 70 دولارًا)، مما اضطر بعض البنوك لتقليصه، مما أدى إلى أزمة سيولة وضبطت الأسواق التي أغلقت أبوابها في بعض الولايات.

مدد بنك السودان فترة استبدال العملة، التي كان من المقرر أن تنتهي في 31 ديسمبر الماضي، إلى 6 يناير الحالي، لكن أعدادًا كبيرة من المواطنين لم تتمكن من استبدال عملاتها، ولا يعرف إذا ما كان سيتم تمديد المهلة مرة أخرى.

وفي يوم الاثنين، أغلق عمال غاضبون “ميناء عثمان دقنة” في مدينة سواكن احتجاجًا على عدم صرف رواتبهم نقدًا بسبب نقص السيولة. وفي مقطع فيديو، أوضح أحد المتحدثين باسمهم أن عمال الشحن والتفريغ في الميناء ليس لديهم حسابات بنكية أو أوراق ثبوتية لفتح حسابات، ومعظمهم لا يملكون هواتف ذكية، وطالبوا بصرف رواتبهم نقدًا.

يعاني من الولاية “القضارف” نقصًا في السيولة، مما اضطر بنوكها لتقليص هامش السحب من 200 ألف إلى 100 ألف جنيه. حذر المزارعون في الولاية من فشل موسم الحصاد بسبب نقص السيولة، وأوضح نائب سابق ومزارع أن غالبية عمال الحصاد “أجانب” لا يمكن فتح حسابات لهم في البنوك، وبالتالي لا يمكن تسديد مستحقاتهم عبر التطبيقات البنكية.

أكد وزير المالية أن مشروع استبدال العملة “مشروع وطني لتحسين الاقتصاد”، مشيرًا إلى أن السودان تأخر في التحول إلى الأنظمة المصرفية الإلكترونية. أوضح أيضًا أن الهدف من استبدال العملة هو تنظيم حركة الأموال ومراقبة الممارسات المشبوهة المتعلقة بها.

نشطت سوق موازية خارج البنوك لاستبدال العملات القديمة بالجديدة أو النقود الإلكترونية بالنقد، مقابل نسبة قد تصل إلى 20%. كشف المواطن محمد علي أنه اضطر لتبديل عملاته لأفراد يستبدلون العملات خارج البنوك، حيث يمتلكون كميات كبيرة من العملات الجديدة، مقابل تخليهم عن ربع مدخراتهم.

على الرغم من نقص العملات، أكد وزير المالية أن العملات متاحة، حيث وعد بشحنات جديدة، مشيرًا إلى أن ما تم صرفه أقل من نصف العملات في البنوك. وأكد أن وزارته تضغط على البنوك وقطاع الاتصالات للانتقال إلى التطبيقات البنكية.

في مناطق “الدعم السريع”، ظهر جنود يدمرون كميات من العملات الجديدة، بينما اعتبرت “الإدارة المدنية” التابعة لهم تداول هذه العملات “جريمة”، وأعلنت أنها ستصرف الرواتب بالدولار. لا توجد بنوك تعمل في مناطق “قوات الدعم”، حيث يتم التبادل باستخدام التطبيقات البنكية والأوراق النقدية القديمة أو العملات الأجنبية.

أدت خطوة استبدال العملة الجزئي إلى ظهور مضاربات في أسواق الحبوب والسيارات والأجهزة الكهربائية، حيث بدأ الكثير من المستثمرين التحول إلى شراء السلع والعملات الأجنبية والذهب للحفاظ على قيمة أموالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى