أحداث

العزلة الدولية تتزايد على العسكريين السودانيين بعد دعوى جنائية جديدة


أعلن التحالف السوداني للحقوق، بمشاركة محامين دوليين، تقديم دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد أربعة من أبرز قادة المؤسسة العسكرية. يتصدرهم القائد العام عبدالفتاح البرهان. وتشمل قائمة المتهمين كلاً من الفريق ياسر العطا، والفريق شمس الدين الكباشي، واللواء الطاهر محمد، على خلفية اتهامات باستخدام أسلحة كيماوية وارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين في مناطق النزاع.

ولم يكتف التحالف بهذه الخطوة، بل قدّم أيضاً شكوى رسمية إلى المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بالتوازي مع رسالة وُجِّهت إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. تطالب بفتح تحقيق عاجل وتعليق عضوية السودان. هذا التوجه المتعدد المسارات يعكس سعياً إلى تدويل ملف الانتهاكات وربطه بأجندة حقوقية وأمنية واسعة النطاق.
وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من إعلان الولايات المتحدة فرض حزمة عقوبات جديدة استهدفت مسؤولين عسكريين وشخصيات مدنية مقربة من حكومة الأمر الواقع في بورتسودان. العقوبات ليست معزولة، بل تمثل امتداداً لمسار بدأ منذ مايو/أيار الماضي .حين أدرجت واشنطن لأول مرة شركات وكيانات اقتصادية مرتبطة بالجيش السوداني في قوائمها السوداء.

وفي موازاة ذلك، أصدرت الرباعية الدولية – التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات – بياناً شديد اللهجة أدانت فيه. الانتهاكات المتكررة ضد المدنيين، محذرة من تنامي نفوذ جماعة الإخوان المسلمين والمليشيات المتطرفة المتحالفة مع الجيش. البيان دعا بوضوح إلى وقف فوري للعنف، وضمان دخول المساعدات الإنسانية، والانخراط الجاد في عملية سياسية شاملة.

ويرى مراقبون أن إدخال المسار القضائي إلى جانب العقوبات الاقتصادية يمثل تحولاً نوعياً في مقاربة المجتمع الدولي للأزمة السودانية. إذ لم تعد الضغوط مقتصرة على محاولات الوساطة أو الضغط السياسي، بل اتجهت نحو محاصرة قانونية تستهدف الرموز العسكرية في شخصهم. بما قد يضع قيوداً على حركتهم ويهدد شرعيتهم أمام شركاء دوليين محتملين.

ويطرح هذا التغيير معادلة جديدة: أي تسوية سياسية مستقبلية قد تصبح مشروطة بملف المساءلة والعدالة، وهو ما يُفقد القيادة العسكرية القدرة على المناورة المعتادة بين الضغوط الدولية والواقع الميداني.
ورغم التركيز على ملف الانتهاكات. إلا أن الدوائر الأميركية والأوروبية تبدي قلقاً متزايداً من تصاعد نفوذ المليشيات المتطرفة المتحالفة مع الجيش. والتي يُنظر إليها كعامل تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي. بالنسبة لواشنطن. فإن هذه الجماعات قد تتحول إلى مصدر فوضى يمتد من القرن الأفريقي إلى منطقة الساحل، في وقت يشهد فيه الإقليم فراغاً أمنياً متنامياً وصعوداً لقوى غير دولية مسلحة.

ورغم أن الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية قد لا تُسفر عن نتائج فورية، فإن تراكم الخطوات القانونية والعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية يخلق بيئة من العزلة المتزايدة لقادة الجيش السوداني. هذه العزلة تعني أن أي انخراط تفاوضي قادم سيكون مشروطاً بتقديم ضمانات حول المساءلة والعدالة الانتقالية. ما يحد من قدرة القيادة العسكرية على فرض شروطها دون تنازلات.
وتبدو سلطة الجيش في بورتسودان أمام معادلة معقدة: إما الاستمرار في سياسة التحدي التي ستقود إلى مزيد من العقوبات والعزلة الدولية، أو الدخول في مسار سياسي مرن يتضمن تنازلات جوهرية، على رأسها قبول آليات المساءلة والرقابة الدولية. وفي كلتا الحالتين فإن موقع المؤسسة العسكرية كفاعل سياسي مهيمن يتعرض لتآكل تدريجي. بفعل تلاقي الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية في آن واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى