الضربات الدقيقة تفضح تحالفات الظل: سقوط الخبراء الأجانب وانكشاف واجهة الإسلاميين في بورتسودان

في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة السودانية على أكثر من جبهة، كشفت ضربات جوية دقيقة – نُفذت عبر طائرات مسيّرة – عن عمق التورط الإقليمي والدولي في معسكرات الجيش والحركة الإسلامية بمدينة بورتسودان. الضربات، التي وُصفت بأنها الأعنف والأكثر دقة منذ أشهر، استهدفت غرف إقامة لخبراء أجانب استقدمهم الجيش لتدريب عناصره وعناصر من كتائب محسوبة على الإسلاميين، وأسفرت عن مقتل العشرات منهم.
رسالة من الجو: من يقف خلف الهجوم؟
رغم أن الجيش السوداني اتهم قوات الدعم السريع بالوقوف خلف العملية، إلا أن عدداً من المراقبين العسكريين والخبراء شككوا في هذه الرواية، مشيرين إلى أن الإمكانات التقنية والدقة الاستخباراتية للعملية تفوق قدرات الدعم السريع. وبرزت فرضية تدخل خارجي باستخدام طائرات إسرائيلية الصنع، بعد تأكيدات بأن الضربات استهدفت شحنات أسلحة إيرانية وصلت مؤخراً إلى مطار بورتسودان، يُعتقد أنها كانت تحوي مسيّرات وأنظمة تسليح متطورة.
هروب الإسلاميين… نهاية لعبة التخفي؟
اللافت في أعقاب الهجوم، هو الغياب التام لقيادات الحركة الإسلامية، حيث أفادت تقارير استخباراتية محلية بأن عدداً منهم غادر المدينة على عجل، فيما اختفى آخرون من المشهد بشكل مفاجئ. هذا السلوك يعيد إلى الواجهة التساؤلات حول دور هذه الجماعة في التنسيق مع أطراف إقليمية، واستغلالها المؤسسات العسكرية كممر لعبور السلاح والدعم اللوجستي عبر الشرق.
الضربة كشفت بوضوح أن بورتسودان، التي تحوّلت إلى “عاصمة بديلة” للدولة بعد تدهور الوضع في الخرطوم، كانت في الواقع قاعدة خلفية لتجهيز مشروع إسلامي عسكري الطابع، بدعم إيراني وتسهيلات من داخل المؤسسة العسكرية.
البرهان بين التجاهل والتواطؤ
في المقابل، يثير موقف الفريق أول عبد الفتاح البرهان كثيراً من علامات الاستفهام. فبينما كان من المفترض أن يكون على رأس من يدين هذا الاختراق الأمني الكبير، اختار البرهان التزام الصمت، مكتفياً بتصريحات مبهمة عبر وسطاء. هذا التجاهل فتح الباب أمام تكهنات متصاعدة حول علاقته غير المعلنة ببعض أجنحة الإسلاميين، خاصة في ظل تواتر التقارير عن تعاون غير مباشر مع بقايا منظومة الإنقاذ عبر الواجهة العسكرية.
السلاح الإيراني على الأرض السودانية: من سمح ومتى؟
بحسب المصادر، فإن الشحنات التي استُهدفت ضمّت مسيّرات متطورة وأنظمة حرب إلكترونية، ويُعتقد أنها وصلت إلى بورتسودان عبر وسطاء مرتبطين بإيران. هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها رصد معدات عسكرية إيرانية في السودان، لكنها المرة الأولى التي تُستهدف بشكل مباشر، في رسالة قد تكون موجهة ليس فقط للحركة الإسلامية، بل للنظام العسكري السوداني الذي يراهن على تحالفات ظرفية تهدد الأمن الإقليمي.
هل نحن أمام مرحلة “تصفية الملاذات”؟
المشهد الجديد يوحي بأن القوى الدولية والإقليمية الداعمة للاستقرار في المنطقة بدأت في التحرك لتصفية أي ملاذات آمنة تستخدمها الجماعات الإسلامية المسلحة في السودان. ومع ازدياد المؤشرات حول تنامي النفوذ الإيراني في شرق البلاد، لم يعد الصمت خياراً، لا محلياً ولا دولياً. الضربات قد تكون مجرد بداية لمرحلة جديدة عنوانها: لا حصانة لمن يحاول إعادة تدوير الإسلام السياسي في عباءة عسكرية.
الشرق ليس بمنأى عن العاصفة
ما جرى في بورتسودان ليس مجرد استهداف عسكري تكتيكي، بل تحول استراتيجي قد يُعيد رسم ملامح المواجهة في السودان. فحين تتحول عاصمة مؤقتة إلى منصة لإعادة تدوير تحالفات الإسلاميين، يصبح الرد من خارج الحدود متوقعاً. أما الصمت الرسمي، فربما لا يكون صمتاً بريئاً، بقدر ما هو علامة على هشاشة المشروع الذي يحاول أن ينهض على أنقاض دولة تقاوم السقوط.
