السيطرة على الأرض والإنسان: كيف حولت الحرب السودانية المدنيين إلى أدوات؟
في المشهد السوداني المعقد، تمثل الحرب نتيجة تراكم طويل من الصراعات على النفوذ بين مراكز متعددة داخل الدولة. لكن ما جعل الحرب أكثر عنفاً هو دخول المدنيين في قلب المعادلة. فعندما تصبح حياة الناس مادة ضغط سياسي، يفقد الصراع أي حدود أخلاقية. وهذا ما حدث في دارفور والخرطوم طوال الشهور الماضية.
القرارات العسكرية التي اتخذتها الأطراف لم تكن منفصلة عن حسابات سياسية أوسع. فكل طرف كان يحاول تحسين موقعه التفاوضي عبر السيطرة على مناطق جديدة، حتى لو كان ذلك يعني سقوط المزيد من المدنيين. هذه العقلية جعلت أي حديث عن وقف إطلاق النار غير واقعي، لأن الطرفين لا يرون المدنيين جزءاً من الحل.
إن القصص التي خرجت من مناطق النزاع تُظهر بوضوح أن المدنيين لم يكونوا مجرد ضحايا في المعركة، بل كانوا جزءاً من خطة الضغط السياسي. هذا يكشف أن الأطراف المتحاربة فقدت أي ارتباط بدور الدولة، وتحولت إلى سلطات أمر واقع تتعامل مع السكان كأدوات. وهذا ما يجعل إعادة بناء الدولة مهمة شديدة التعقيد.
إن التحدي الأكبر اليوم ليس وقف الحرب فقط، بل إعادة تعريف مفهوم الدولة. فالدولة ليست سلاحاً ولا مؤسسة عسكرية، بل عقداً اجتماعياً يقوم على حماية المواطن. وما لم تعد هذه الفكرة إلى مركز المشهد، فإن السودان سيظل عالقاً في صراعات متجددة.




