أحداث

السودان: نقل رفات الموتى من مقابر مؤقتة إلى مثواهم الأخير


 

ينبش متطوعو الهلال الأحمر السوداني قبورا عشوائية في حي الأزهري بجنوب الخرطوم، حفرتها عائلات لدفن أقاربها الذين قضوا خلال الحرب بينما كانت المعارك والقصف الجوي تحول دون مواراتها الثرى في المدافن الرسمية.

وبعدما دفنوا على عجل في باحات المنازل والمدارس والساحات العامة، أتيحت للعديد من العائلات أخيرا إقامة مراسم وداع لائقة لنحو ألفين من أفرادها لقوا حتفهم خلال الحرب المتواصلة منذ أبريل/نيسان 2023.

واستفادت العائلات ومتطوعو الهلال الأحمر من الهدوء الذي باتت الخرطوم تنعم به نسبيا لإخراج رفات الضحايا من المقابر العشوائية ونقلها.

في حي الأزهري، يحمل متطوعون ارتدوا بزات بيضاء وقفازات حمراء ووضعوا أقنعة واقية، رفوشا لإزالة طبقات التراب عن رفات دفنت كيفما اتفق. ويرفع هؤلاء الجثث بعناية، قبل وضعها في أكياس جثث تحمل بطاقات تعريف، ووضعها في شاحنات صغيرة ستحملها إلى مقبرة الأندلس على بعد نحو 10 كلم.

أما الجثث التي لم يتعرف عليها أحد، فيقوم المتطوعون بتمييزها بملصقات مختلفة والاحتفاظ ببياناتها.

ويقول هشام زين العابدين، رئيس قطاع الطب الشرعي في الخرطوم، إن فريقه عثر على 307 قبور عشوائية في حي الأزهري كانت موجودة أمام البيوت وفي المساجد والمدارس، مشيرا الى أن ذوي القتلى لم يتمكنوا من دفنهم على نحو لائق أو إقامة جنازات في ظل المعارك بين طرفي الحرب.

وفي مساحة ترابية واسعة نبت العشب الأخضر في بعض أرجائها، تراقب جواهر آدم متطوعي الهلال الأحمر ترافقهم جرافتين، وهم يعملون على نبش قبر يضم رفات ابنتها التي قتلت جراء المعارك. وتقول والدموع تنهمر من عينيها “كان عمرها 12 عاما”.

وتشير إلى أن ابنتها كانت خارج المنزل لشراء حذاء جديد حين قتلت جراء قصف لم تحدد مصدره، مضيفة “لم نجد مكانا لدفنها، فدفناها في الحي”.

وتختبر آدم للمرة الثانية مشاعر دفن ابنتها ولكن هذه المرة بكرامة، مضيفة أن “الأمر مؤلم ولكن إكرام الميت دفنه”.

وأسفرت الحرب التي اندلعت بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، عن مقتل عشرات الآلاف من السودانيين.

وفي حين أشار المبعوث الأميركي السابق توم بيرييلو الى أن ما لا يقل عن 150 ألف شخص قتلوا خلال العام الأول من المعارك، يبقى تحديد حصيلة دقيقة شبه مستحيل. ووقعت العديد من المعارك الدامية في أحياء مكتظة بالسكان، في غياب بنى تحتية صحية أو مشافٍ لمعالجة الجرحى أو إجراء تعداد دقيق للجثث.

وبحسب كلية لندن للصحة العامة والطب الاستوائي، سجلت الوفيات في الخرطوم خلال الأشهر الـ14 الأولى من الحرب زيادة نسبتها 50 في المئة. وأحصت الكلية 61 ألف وفاة خلال تلك الفترة، بينهم 26 ألفا بسبب أعمال العنف.

وحين دفن السودانيون أقاربهم في المقبرة وسط حي الأزهري، وضعت مكان كل جثة قطعة خشبية أو شاهد قبر مؤقت أو أحجار نقشت عليها أسماؤهم.

وانتشل الهلال الأحمر الى الآن نحو ألفي جثة في الخرطوم، وهو يقدّر أن المقابر العشوائية المنتشرة في العاصمة تضم ما لا يقل عن 10 آلاف رفات.

وبينما تتابع العديد من الأمهات بحزن وعيون دامعة، نقل رفات أقاربهن من المقبرة العشوائية في حي الأزهري، لا تزال آلاف غيرهن يجهلن مصير أبنائهن.

وخلال العام الماضي، أحصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ثمانية آلاف مفقود في السودان، مشددة على أن ذلك يبقى “الجزء الظاهر من جبل الجليد، من إجمالي حالات المفقودين”.

وقبل الحرب، كان يسكن الخرطوم نحو تسعة ملايين نسمة، نزح منهم ثلاثة ملايين ونصف مليون على الأقل جراء المعارك، وفقا لأرقام الأمم المتحدة التي تتوقع عودة مليوني شخص إلى الخرطوم قبل نهاية العام الجاري.

إلا أن ذلك يتوقف على استقرار الوضع الأمني وعودة البنى التحتية للعمل، إذ ما زالت معظم مناطق العاصمة بلا كهرباء أومياه نظيفة بينما تحولت، المدارس والمستشفيات إلى حطام.

وبعد انتشال الجثث من حي الأزهري، سيتمكن المسؤولون المحليون من المضي في مشروع بناء المدرسة التي كان مقررا إنشاؤها في تلك الساحة، بحسب يوسف محمد الأمين، المدير التنفيذي لمحلية جبل أولياء جنوب الخرطوم الذي قال “إن شاء الله ناس الحي سينشئون فيه مدارس لتعليم أبنائهم… الرفات التي كانت موجودة في الميدان كانت تعيق بناء المدرسة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى