السودان على خط النار: توسع النزاع من الشرق إلى الغرب وبورتسودان على المحك
شهد العام 2025 تحولاً نوعياً في طبيعة المعارك الحربية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تبعه تغيير في خريطة السيطرة الميدانية.
إذ تغيرت خارطة المعارك. حيث دخلت بورتسودان العاصمة البديلة لحكومة الجيش السوداني، خط المواجهة الحربية، بينما خرجت دارفور غربي السودان بأكملها عن سيطرة الجيش السوداني، بعد أن تمكنت قوات الدعم السريع من إحكام سيطرتها على ولاياتها الخمسة.
من الخرطوم إلى كردفان
بعد أن أعلن الجيش السوداني استرداده العاصمة الخرطوم من قبضة الدعم السريع في مارس/آذار الماضي، أعادت قوات الدعم السريع تموضعها خارج الخرطوم متخذة من الإقليم الغربي للسودان، نقطة انطلاق لعملياتها الحربية.
وفور تراجع قوات الدعم السريع غرباً بعد خروجها من الخرطوم، أعلنت السيطرة على منطقة “خور الدليب” بجنوب كردفان غربي السودان.
وخور دليب هي المنطقة التي عدها خبراء عسكريون، بمثابة تموضع استراتيجي جديد لقوات الدعم السريع، يُمكنها من قطع الطريق أمام خطوط الإمداد للجيش السوداني من ولايتي جنوب وشمال كردفان.
إلا أن الجيش السوداني لجأ لاستخدام السلاح الجوي حتى يوقف تقدم قوات الدعم السريع نحو شمال دارفور.
وكانت قوات الدعم السريع قد تمكنت من بسط سيطرتها على عموم دارفور منذ العام 2024، عدا شمال دارفور وحاضرتها الفاشر.
وفي مارس /آذار نفسه، ارتكب طيران الجيش السوداني مجزرة شنيعة في شمال دارفور، عندما قصف طيرانه سوق “طرة” المكتظ بالمواطنين في شمال دارفور غربي السودان، وتسبب في مقتل مئات المدنيين.
ولاقت أحداث سوق “طرة” إدانات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية وعدد من الكيانات السياسية والمجتمعية في السودان.
زمزم والنهود
وفي أبريل/نيسان الماضي، وسعت قوات الدعم السريع من عملياتها بغرض السيطرة على شمال دارفور، حيث أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة على معسكر “زمزم” للنازحين بشمال دارفور بعد معارك مع الجيش السوداني استمرت لشهور.
وفي مايو/أيار الماضي، تمكنت قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها على مدينة “النهود” الاستراتيجية بغرب كردفان.
وحسب تحليلات لخبراء عسكريين في السودان، أكدوا خلالها أن تراجع قوات الدعم السريع نحو الإقليم الغربي بعد أن أعاد الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم، يأتي استنادا لتكتيكات عسكرية، تستهدف محاصرة السلطة في بورتسودان، عبر تضييق الخناق الاقتصادي عليها.
الخبير العسكري في السودان، العميد متقاعد وليد عزالدين، عضو القيادة المركزية للضباط والصف والجنود المتقاعدين “تضامن”، أكد في تصريحات سابقة أن “تموضع قوات الدعم السريع في الإقليم الغربي وسيطرتها على كثير من المناطق الاستراتيجية هناك، سوف يضع السلطة في بورتسودان أمام مأزق حقيقي”.
وأشار إلى أن الإقليم الغربي هو صمام الأمن الاقتصادي للدولة السودانية، حيث حقول النفط، ومناجم الذهب، والغابات والثروة الحيوانية، ومما يعني تلقائياً شل منابع “تمويل” الجيش السوداني.
الهجوم على بورتسودان
وفي الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار الماضي، انتقلت الحرب إلى مدينة بورتسودان – العاصمة الإدارية لحكومة الجيش السوداني.
وكانت بورتسودان قد شهدت انفجارات مدوية أثر استهداف 5 طائرات مُسيّرة، لعدد من المواقع العسكرية في بورتسودان، منها قاعدة “دقنة” الجوية- أهم قاعدة عسكرية للجيش السوداني شرقي السودان.
وكانت مصادر مطلعة أفادت آنذاك، بأن الضربات المباشرة للمسيرات أدت إلى احتراق طائرة عسكرية من طراز “إليوشن” بقاعدة عثمان دقنة الجوية ببورتسودان، قادمة من دولة إيران تحمل كمية من الأسلحة المختلفة، بجانب متفجرات وصواريخ موجهة، فضلا عن تدمير عدد 2 طائرة حربية “سوخوي” و”ميغ” كانت إحداهما تحت الصيانة، فضلاً عن تفجير خزانات وقود الطيران في القاعدة الجوية.
وأضافت مصادر أن منطقة “فلامنجو” البحرية العسكرية والتي يقبع بها قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، وبعض قيادات التنظيم الإخواني المحظور دولياً، قد طالتها ضربات المُسيرات وسط تكتم شديد من قبل قيادات الجيش.
وشكّل وصول المُسيرات إلى مدينة بورتسودان تحولاً نوعياً في تطور الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خلال العام 2025؛ بل عدّها خبراء عسكريون بأنها “أخطر” منعطف مرت به مسيرة الحرب بين الطرفين.
تصعيد حربي
ولم يخل شهر مايو/ أيار الماضي من كثير من الأعمال الحربية التصعيدية بين طرفي النزاع. وبعد الهجوم بالمسيرات الذي طال مدينة بورتسودان، تمكن الطيران الحربي للجيش السوداني من تنفيذ غارة جوية قصفت مطار نيالا جنوب دارفور.
كذلك أعلن الجيش السوداني استعادة منطقة «الخُوي» بغرب كردفان، إلا أن قوات الدعم السريع سرعان ما أعلنت استعادة السيطرة على “الدببّة” و”الخُوي” بغرب كردفان.
وخلال مايو/أيار الماضي أيضاً، قام طيران الجيش السوداني بقصف سوق “الكومة” شمال دارفور بطائرة أنتونوف وأوقع 89 قتيلًا من المدنيين، وهي الحادثة التي أثارت سخطاً شعبياً كبيراً في دارفور.
منطقة المثلث والفاشر
وفي يونيو/حزيران الماضي شهدت منطقة المثلث الحدودية بين السودان ومصر وليبيا توغلاً من قبل قوات الدعم السريع، ما دفع الجيش السوداني لتبرير انسحابه منها، متهماً قوات ليبية بدعم قوات الدعم السريع.
وشهد شهرا يوليو/ تموز، وأغسطس/آب الماضيين، هجوماً متبادلاً بين طرفي النزاع حول الفاشر بشمال دارفور.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي كثف الجيش السوداني وحلفاؤه الهجوم على محور الفاشر بشمال دارفور، لإعاقة تقدم قوات الدعم السريع داخل المدينة، إلا أن قوات الدعم السريع أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر بشمال دارفور.
ومثل خروج الفاشر عن سيطرة الجيش السوداني، انتصاراً عسكرياً كبيراً لقوات الدعم السريع حيث أكد خبراء كانوا قد تحدثوا أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر تمنحها مزايا تفضيلية في أي عملية تفاوضية.
وقبل أيام، أعلنت «الدعم السريع»، سيطرتها على ولاية غرب كردفان وحزام النفط وبلدة هجليج النفطية، بعد أن استولت على «اللواء 90» آخر معسكرات الجيش في الولاية.




