السودان على حافة الانفجار: النيل الأبيض يتحول إلى ساحة حرب مفتوحة

لم تعد الهجمات الأخيرة في ولاية النيل الأبيض مجرد مواجهة عسكرية تقليدية بين أطراف النزاع في السودان، بل تحولت إلى محطة فارقة تعكس حجم التعقيد الذي بلغته الحرب الجارية. فاستهداف مستودع الوقود في مدينة كوستي وتدمير قاعدة كنانة الجوية لم يقتصر على إحداث خسائر مادية وعسكرية مباشرة، بل كشف عن أبعاد إنسانية ودولية تتجاوز الحدود المحلية.
في مدينة كوستي، أدى تدمير مستودع “الوسيلة” للوقود إلى شلل شبه كامل في سلاسل الإمداد، إذ لم يكن المستودع مخصصًا للأغراض العسكرية فقط، بل كان شريانًا حيويًا لقطاعات النقل والخدمات الأساسية. تبعات هذه الضربة انعكست سريعًا على حياة المواطنين: نقص حاد في الوقود، ارتفاع أسعار المعيشة، وتعطل المرافق الحيوية كالمستشفيات والمدارس. هذا الواقع يضع المجتمع المحلي أمام أزمة مركبة تزيد من هشاشة الأوضاع الإنسانية في وقت يعاني فيه السودان من ضغوط اقتصادية ومعيشية خانقة.
أما الهجوم على قاعدة كنانة الجوية، فقد مثّل نقلة نوعية في مسار الصراع. فالمعلومات المتداولة تؤكد مقتل خمسة خبراء أتراك كانوا يعملون على تركيب أجهزة تشويش ومنظومات مضادة، إلى جانب عناصر من الجيش السوداني. كما تم تدمير طائرة استطلاع مسيرة وأجهزة تشويش متقدمة. هذه التفاصيل لا تكشف فقط عن خسائر عسكرية، بل تطرح أسئلة جوهرية حول حجم التدخل الخارجي في النزاع السوداني، ودور القوى الإقليمية في تغذية المواجهات المسلحة عبر الدعم الفني والتقني.
وجود قتلى أجانب في ساحة القتال يعكس بوضوح أن الحرب السودانية لم تعد محلية بحتة، بل باتت جزءًا من شبكة صراعات إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها داخل الأراضي السودانية. هذا المعطى قد يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد السياسي والدبلوماسي، ويضع السودان في قلب معادلات أمنية تتجاوز حدوده.
من الناحية الإنسانية والقانونية، يفرض ما جرى ضرورة فتح تحقيق شفاف ومستقل لتوثيق الأحداث ومحاسبة المسؤولين عنها. استهداف البنى التحتية التي يعتمد عليها المدنيون يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، ويهدد بتحويل المدنيين إلى أهداف غير مباشرة للصراع. كما أن تلوث البيئة جراء احتراق الوقود يضيف طبقة أخرى من المخاطر على صحة السكان، وهو ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من المنظمات الدولية المختصة.
المشهد العام يشير إلى أن السودان دخل مرحلة جديدة من الحرب، مرحلة يتغير فيها شكل العمليات العسكرية وتزداد فيها التدخلات الخارجية وضوحًا. وإذا استمر هذا المنحى، فإن النتائج ستكون أكثر خطورة على المدنيين، وعلى استقرار البلاد والمنطقة برمتها.
إن ما يحدث في النيل الأبيض ليس مجرد حدث عابر، بل إنذار صارخ بأن الحرب في السودان تتجه إلى مسارات أكثر تعقيدًا. المطلوب اليوم ليس فقط معالجة الخسائر المباشرة، بل التفكير بجدية في حلول سياسية توقف نزيف الدم وتمنع تكرار مثل هذه الكوارث. فبدون ذلك، ستظل البلاد رهينة لدوامة العنف، وسيدفع المواطن العادي الثمن الأكبر من أمنه وحياته وكرامته.
