تحقيقات

السودان بين كماشة الميليشيات.. دعم خارجي وأجندات إخوانية


تحوّلت مناطق واسعة من الولاية الشمالية في السودان إلى ساحة نفوذ لميليشيات مسلحة خارجة عن القانون، خلقت مناخًا من الفوضى والانفلات الأمني، وسط اتهامات لنافذين سياسيين وأمنيين، وشخصيات من النظام البائد “الحركة الاسلامية” بتوفير الحماية والدعم لها، في مشهد يهدد بتحول المنطقة الآمنة تقليديًا إلى بؤرة صراع مشابهة لما شهدته دارفور.

وبحسب تحقيق أجرته صحيفة (دروب)، فإنّ ثلاث ميليشيات رئيسية تنشط حاليًا في الولاية الشمالية تحت مسمّيات “المقاومة الشعبية” و”المستنفرين”، من بينها ميليشيات معروفة باسم “أولاد قمري” و”أولاد أزهري” و”أولاد شاذلي”، ويقدّر عدد عناصرها بأكثر من (10) آلاف مسلح، أغلبهم من أصحاب السوابق في التهريب وتجارة المخدرات والنهب المسلح، وبعضهم من مدمني المخدرات.

وتنتشر هذه الجماعات على امتدادات واسعة مستخدمة مركبات دفع رباعي مزودة بأسلحة خفيفة وثقيلة، وتدّعي أنّها تقاتل إلى جانب الجيش أو تنتمي إلى “المقاومة الشعبية”، في حين يؤكد السكان أنّ أفرادها منخرطون في عمليات تهريب المخدرات والبشر، ويبتزّون العاملين في مجال التعدين الأهلي.

ووفق الصحيفة ذاتها فإنّه في نيسان (أبريل) الماضي أقدمت ميليشيا “أولاد قمري” على إطلاق النار تجاه معدّنين أهليين في منطقة “تركمان”، ممّا أدى إلى مقتل أحدهم واحتجاز آخرين دون تدخل من السلطات. ويقول شهود عيان إنّ هذه الجماعات تتمتع بحصانة غير معلنة بسبب علاقاتها مع شخصيات نافذة في الولاية.

مصادر مطلعة كشفت عن وجود دعم مالي وسياسي لهذه الميليشيات، خاصة كتيبة “أولاد أزهري”، من رجال أعمال مرتبطين بنظام حزب المؤتمر الوطني السابق وجماعة الإخوان المسلمين. 

وذكر أحد المصادر أنّ قائد ميليشيا “أولاد أزهري” موّل شراء أسلحة ومركبات قتالية بنحو (3) ملايين دولار، مدّعيًا أنّ قواته تتبع للمقاومة، بينما لا تخضع لأيّ جهة رسمية.

وقال المصدر: إنّ هذه الجماعات تعمل في التهريب عبر الحدود مع مصر وليبيا، ولا تتردد في السطو حتى على المهربين أنفسهم، محذرًا من “انتشار فوضوي للسلاح قد يؤدي إلى اشتعال حرب أهلية في أيّ لحظة”.

هذا، وتصاعد القلق بعد سلسلة حوادث استهدفت مراكز للشرطة، ومقتل عدد من رجال الأمن،  دون أن تتمكن السلطات من توقيف الجناة حتى الآن.

مصدر أمني رفيع، تحدث لـ (دروب)، أشار إلى وجود “احتقان أمني خطير” في عدة مناطق، نتيجة توتر بين الميليشيات والقوات المشتركة التابعة لحركات دارفور المتحالفة مع الجيش، محذرًا من احتمال اندلاع اشتباكات وشيكة.

الأخطر من ذلك، وفق ما رصدته الصحيفة، هو تنامي خطاب الكراهية والتحريض ضد سكان غرب السودان الذين يشكلون نسبة كبيرة من عمال المناجم. 

وفي مناطق مثل “كرمة النزل” و”شريان الشمال”، تحدث مواطنون عن تعرّضهم للابتزاز من قبل ميليشيات تطلب المال مقابل توفير الحماية من “الخطر الذي تمثله هي ذاتها”، وسط صمت أمني لافت.

ويقول صاحب مجمع تجاري: إنّ المنطقة لم تعد آمنة: “نُجبر على الدفع لمسلحين يرتدون الزي العسكري. لا نثق في أحد، والسلطات غائبة عن المشهد”. وأضاف أنّ بعض عناصر الميليشيات يروّجون المخدرات علنًا داخل المقاهي، دون أن تتدخل الجهات المعنية.

ومع تصاعد مظاهر الانفلات الأمني، ناشد السكان المحليون مجلس السيادة والسلطات الاتحادية بالتدخل العاجل لإعادة الأمن ونزع السلاح ومحاسبة المتورطين، محذرين من أنّ استمرار الفوضى قد يحوّل الولاية الشمالية إلى منطقة خارج السيطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى