طغت حرب غزة بين إسرائيل وحركة حماس على حروب أخرى تستعر في العالم، ولا تقل عنها عنفا وخطورة.
ففي حين أن حرب غزة حجبت الأضواء عن حرب أوكرانيا الدائرة منذ 24 فبراير 2022، التي أدت الى سقوط مئات آلاف الضحايا من الجانبين الروسي والأوكراني، حجبت حرب غزة حربا دموية أخرى شديدة الخطورة على إقليم جيوسياسي واسع يتقاطع عند نقطة التقاء شمال شرق إفريقيا وجنوب غرب آسيا.
إنها حرب السودان التي بدأت في 15 أبريل الماضي بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي.
ولم تنجح جميع الوساطات الخارجية في إيقاف الحرب، ولا حتى في التوصل إلى هدن حقيقية بين الطرفين المتصارعين، فقد بدا أن كلا من البرهان وحميدتي، كانا ولا يزالان، يراهنان على إمكانية حسم الصراع بالانتصار العسكري، لذلك انهارت جميع المحاولات الدبلوماسية أمام تصميم الطرفين على مواصلة القتال الدامي في العاصمة الخرطوم، والعديد من الولايات الأخرى لا سيما ولاية دارفور الحساسة، إن لجهة تاريخها الدموي، أو لموقعها الجغرافي على تقاطع الحدود بين ليبيا الغارقة في أزمة عميقة، وتشاد التي تربط السودان بعمق منطقة الساحل الحبلى بالنزاعات والتدخلات الخارجية.
ورغم استحالة إقناع طرفي الصراع بعد 7 أشهر من القتال بالتفكير جديا بانتهاج مسار التسوية، أولا لتعذر أي منهما حسم الصراع لصالحه، وثانيا لإنهاء معاناة المواطنين السودانيين الذين دفعوا ويدفعون ضريبة الحرب بأرواحهم وممتلكاتهم ومعيشتهم.
فالأضرار هائلة أكان على مستوى الخسائر البشرية التي تجاوزت الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين، فضلا عن الخسائر المادية الفادحة على مستوى الاقتصاد، ومؤسسات الدولة وبناها التحتية.
لكن يسجل لـ”منصة جدة” التي تضم السعودية والولايات المتحدة أن محاولاتها استمرت رغم كل العقبات والصعوبات، في محاولتها جمع الطرفين إلى طاولة تفاوض واحدة، مع خفض مستوى التوقعات، واستبدال الطروحات الشاملة كوقف شمال ونهائي لإطلاق النار، بطروحات متدرجة أكثر واقعية وقابلية للتطبيق كالاتفاق على تسهيل إيصال المساعدات وتطبيق هدن متدرجة كمدخل للشروع بإجراءات لبناء الثقة.
وتتفق جميع الدول والجهات الأممية والإقليمية على مبدأ مفاده أنه “لا يوجد حل عسكري مقبل للصراع”، وبالتالي فإن استمرار القتال سيؤدي حكما إلى انهيار الدولة وتفتت الكيان.
وقد فاقمت فكرة تشكيل حكومة شرقا في بورتسودان تابعة للجيش، وأخرى غربا في دارفور تابعة للدعم السريع، المخاوف من حصول تقسيم واقعي في السودان، يمكن أن يتجاوز الطرفين إلى تفتيت البلاد على قاعدة جهوية اثنية قبائلية، على امتداد الجغرافيا السودانية.
إنها أزمة مهولة، بنتائجها وارتداداتها الداخلية والإقليمية، ومن شأنها أن تغذي نزاعات أخرى في دول الجوار التي تجد نفسها مستدرجة للتدخل في صراع متناسل على أكثر من صعيد، ولعل غياب الضغوط الخارجية الصارمة، في مقابل تزايد التدخلات الخارجية، سيطيل من عمر صراع قد يحول السودان إلى أفغانستان جديدة.
عاجلا أم آجلا ستنتهي حرب غزة، وقد تطول الحرب في السودان بين طرفين لا يملكان حتى الآن استراتيجية خروج حقيقية، لكن الخطر يكمن في أن الصراع الدائر اليوم قد لا يعود مجديا متى انهارت البلاد، ومؤسسات الدولة، والأسوأ وحدة البقية الباقية من البلاد.