السلطة أولاً: لماذا أطاح البرهان بالمسار المدني؟

قال الكاتب الصحفي السوداني الوليد آدم مادبو: إنّ ما يجري في السودان اليوم ليس صراعًا على السلطة فحسب، بل هو معركة وجود بين وطن يُراد له أن يُولد من جديد، ونظام إخواني مريض يصرّ على جرّه إلى الحضيض.
وأضاف مادبو في مقالة نشرها عبر موقع (سودانايل): إنّ البرهان وفلوله لا يقاتلون لأجل السودان، بل يتشبثون ببقايا عرش يتهاوى. ومن يحارب فإنّما يحارب خوفًا من السقوط، لا رغبةً في العلو، لا يرتقي بوطنه، بل يسقط معه في قاع الخراب.
وأوضح أنّ إيقاف الحرب لم يعد ترفًا ولا خيارًا سياسيًا، بل هو واجب أخلاقي وتاريخي. ولا خلاص للسودان إلا بمشروع وطني مدني يستوعب كل القوى، ويُقصي من أحرقوا البلاد تحت رايات الأدلجة والعسكرة.
وذكر مادبو أنّ الشعب السوداني لم يعد بحاجة إلى من يشرح له الكارثة، فالألم يفيض من كل بيت، والخذلان صار لغة يومية. وعبد الفتاح البرهان لا يقود البلاد، بل يدفعها في انحدار جنوني، مستندًا إلى وهم انتصار عسكري، وتدعمه عصبة من الكيزان (جماعة الإخوان المسلمين) الذين لفظهم الوجدان السوداني السليم والنظام العالمي العقيم، فلا يجدون الآن سوى التملق لنظم ديكتاتورية تمتص ما تبقى من سيادة الوطن وكرامة شعبه.
وتابع الكاتب الصحفي: “الكيزان، أولئك الذين نهبوا هذا الوطن حتى جفّت عروقه، عادوا اليوم يتاجرون بدمه. في بورتسودان لا تُمارس السياسة، بل تُدار الدسائس، ويُحتكر القرار بين لصوص المرحلة ومجرمي الأمس.
وقال مادبو: “أيّ نصر هذا الذي يُمنّي به البرهان نفسه؟ بينما تنهار المدن واحدة تلو الأخرى، من الفاشر إلى الأبيض، ومن النهود إلى الدّبة، وتُضرب مراكز الجيش الحيوية ومناطقه الاستراتيجية مثل المهندسين ووادي سيدنا بطائرات مسيّرة تُعري هشاشة ما تبقى من بنيته. ويواصل البرهان دعوته للحسم العسكري، ويمنّي نفسه بحكم بلا أفق، في مشهد عبثي لا يُنتج سوى المزيد من الدم والموت والجوع.”
واختتم مقالته بالقول: “البرهان، ذاك الطاغية المثقل بجنون العظمة، يتعامى عن الواقع؛ لا كثافة سكانية تسند قواته، ولا تحالفات إقليمية تضمن له النصر، ولا شرعية أخلاقية تحفظ له ماء وجهه. ففي استمرار الحرب مهانة، وفي إيقافها تبدأ أولى خطوات السلامة والعودة إلى العقل، وتُفتح بوابات التسوية الشاملة التي تُنهي فصول العسكرة والتطرف، وتعيد للسودان ملامحه المدنية الغائبة. فخلاص السودان لن يولد من فوهة البندقية، ولا من انتصار طرفٍ على آخر، بل من مشروع وطني مدني يستوعب الجميع ويلبّي طموحاتهم”.
