السلطات المصرية تعتقل أسرًا سودانية وتعيدها إلى بلادها

في ظل استمرار الحرب التي تعصف بالسودان منذ أبريل 2023، يواجه اللاجئون السودانيون في دول الجوار، وعلى رأسها مصر، أوضاعًا متدهورة تهدد استقرارهم وسلامتهم، وتدفعهم إلى خيارات قاسية بين العودة الطوعية إلى وطنهم الممزق أو الترحيل القسري الذي بات يتكرر بشكل مقلق. ومع مرور الوقت، تآكلت مدخرات كثير من السودانيين الذين غادروا البلاد في بداية الحرب بأموال محدودة، على أمل العودة السريعة، لكن طول أمد النزاع وانهيار قيمة الجنيه السوداني جعل تكاليف المعيشة في دول اللجوء عبئًا لا يُحتمل، خاصة في ما يتعلق بإيجارات المنازل والرعاية الصحية والمصروفات اليومية.
في مصر، حيث يقيم عدد كبير من اللاجئين السودانيين، يواجه هؤلاء تحديات قانونية واقتصادية متفاقمة، إذ لا يملكون تصاريح عمل رسمية، ما يضطرهم إلى العمل في وظائف غير مستقرة وبأجور زهيدة. هذا الواقع دفع آلاف الأسر والشباب إلى اتخاذ قرار العودة إلى السودان، رغم المخاطر الأمنية، اعتقادًا منهم أن الحياة في مناطق أكثر هدوءًا داخل البلاد قد تكون أقل قسوة من الفقر والجوع في الغربة.
في المقابل، تتصاعد ظاهرة الترحيل القسري، التي تستهدف بشكل خاص الشباب السوداني، حيث شهدت مصر في الأشهر الأخيرة حملات اعتقال واسعة شملت لاجئين سودانيين في مناطق متفرقة، بما في ذلك من يحملون إقامات سارية أو أوراق تسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يتم احتجاز هؤلاء في مراكز الشرطة لفترات متفاوتة، قبل ترحيلهم قسرًا إلى السودان عبر معبر أرقين، غالبًا دون تمكينهم من التواصل مع عائلاتهم أو جمع مقتنياتهم الشخصية.
هذه الممارسات أثارت قلقًا واسعًا في أوساط المنظمات الحقوقية، التي اعتبرتها انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بحماية اللاجئين. وبحسب تقارير موثقة من منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إضافة إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تم تسجيل حالات واقعية توضح تبعات الترحيل القسري للسودانيين من مصر، بما في ذلك طلاب جامعيون تم اعتقالهم أثناء توقفات عشوائية في الشوارع، رغم امتلاكهم لإقامات قانونية أو أوراق لجوء، ما أدى إلى انقطاع دراستهم وتدمير مستقبلهم الأكاديمي.
كما وثّقت تقارير حقوقية اعتقال لاجئين أثناء تلقيهم العلاج في مستشفيات حكومية، خاصة في مدينة أسوان، حيث تم نقلهم من غرف العلاج إلى مرافق احتجاز غير إنسانية، وحُرموا من استكمال علاجهم، ما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية قبل ترحيلهم. في بعض الحالات، تم ترحيلهم رغم حاجتهم الماسة للرعاية الطبية، ما أثار موجة من الاستنكار الحقوقي والإنساني.
وفي يوليو الماضي، ألقت السلطات المصرية القبض على الشاب السوداني محمد النور مهدي في منطقة الطالبية بالجيزة، بسبب عدم حمله لأوراقه الثبوتية أثناء سيره في الشارع، رغم أنه كان يحمل إقامة قانونية عبر المفوضية السامية ويخضع للعلاج من مرض السرطان. تم احتجازه وإدراج اسمه ضمن قائمة الترحيل، ما دفع أسرته والجالية السودانية إلى مناشدة المبادرات الحقوقية للتدخل. وتولى محامون متطوعون من مبادرة “مدد” متابعة قضيته، مؤكدين أن محمد كان يتلقى العلاج في مصر للاستفادة من كفاءة الأطباء والبيئة العلاجية المناسبة. وبعد ضغط إعلامي وتدخل من منظمات دولية، تم إطلاق سراحه، ليتمكن من استكمال جرعات العلاج الكيماوي في بيئة طبية ملائمة، بعيدًا عن ظروف الاحتجاز التي كانت تهدد صحته.
وبحسب تقرير صادر عن “المنصة المصرية للاجئين” ومنظمات أخرى، تم اعتقال وترحيل أسر سودانية بأكملها، بما في ذلك أطفال ونساء، في ظروف غير إنسانية داخل مخازن ومستودعات تابعة لقوات حرس الحدود. هذه الأسر، التي كانت تسعى للحصول على الأمان، وجدت نفسها في مواجهة الاعتقال والترحيل دون أي إجراءات قانونية أو فرصة لتقديم طلبات اللجوء. وقد وثّقت الأمم المتحدة ترحيل نحو 3000 شخص من مصر إلى السودان في سبتمبر 2023 وحده.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن حملات الاعتقال لم تستثنِ حتى من يحملون إقامات رسمية أو أوراق لجوء، ما خلق حالة من الخوف والترهيب داخل الجالية السودانية، حيث لا يشعر أحد بالأمان، حتى من يملك وضعًا قانونيًا، الأمر الذي دفع كثيرين إلى التزام منازلهم خوفًا من الاعتقال والترحيل المفاجئ، في ظل غياب ضمانات قانونية تحمي حقوقهم كلاجئين.
