قدم السفير الإيرانى حسن شاة حسينى أوراق إعتماده للفريق البرهان وقد نقل التلفزيون مراسم الإعتماد من مدينة بورتسودان الساحلية فى ظرف يشهد تعقيدات محلية كبيرة حرب أهلية متسعة وصراع إقليمى ودولى على البحر الأحمر حيث تهدد جماعة الحوثى اليمنية المسنودة من إيران الملاحة فى البحر الأحمر وتلعب إيران دور نشط فى نزاع الشرق الأوسط قطاع غزة حيث أمطرت دولة إسرائيل بالمسيرات المقاتلة فى الأشهر القليلة الماضية .
كما لعبت قيادة القوات المسلحة كرت البحر الأحمر فى سوق المساومة الدولية بدعوتها لدولة روسيا الإتحادية للمياه الدافئة فى ظل هذه التقاطعات الحادة الإقليمية والدولية إتسعت وتيرة تحسن العلاقات السودانية الإيرانية التى وصلت مرحلة إعادة العلاقات وقرار تبادل البعثات الدبلوماسية بعد قطيعة كاملة دامت ثمانية أعوام منذ العام ٢٠١٥م عقب إحتلال السفارة السعودية فى طهران وإنفجار حرب اليمن فى عاصفة الحزم ، فقد قرر الرئيس المخلوع عمر البشير ومدير مكتبه طة الحسين دون إستشارة وزارة الخارجية فى ذلك العهد الغيهب قطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية .
قد حكى مقربون أن وزير الخارجية سمع بالقرار عبر الإذاعة والتلفاز قطع العلاقات بشكل كامل بين البلدين وطرد البعثة وإنهاء كل أشكال الوجود الإيرانى فى السودان، وقد تزامن مع القرار إعلان قبول السودان المشاركة العسكرية فى عاصفة الحزم ضد جماعة الحوثى فى اليمن الذى تم بموجبه إرسال القوات المسلحة وتشكيلاتها المساعدة لمساندة عودة الحكومة الشرعية بقيادة منصور هادى ودحر جماعة الحوثى المسنودة من إيران، فى تناقض لافت ما زالت القوات المسلحة السودانية تحارب فى اليمن لذات المهمة المعلنة ولم يتم سحبها .
تطورت علاقة السودان والجمهورية الإيرانية بوتيرة متسارعة وإزدهرت بعد إنقلاب الإنقاذ فى العام ١٩٨٩م فقد أرسلت الإنقاذ شخصيات نافذة من الإسلاميين المتشددين لتولى منصب السفير فى طهران من بينهم د.قطبى المهدى رئيس جهاز المخابرات الأسبق ، وقد إتسعت المشتركات بين النظامين فى الخرطوم وطهران كالعداء للولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الغربية والخصومات الحادة مع دول الخليج ومصر ودعم المجموعات الإسلامية المتطرفة على مستوى المنطقة والعالم ، بدأت العلاقات بإرسال إيران ٢٠٠٠ فرد من الحرس الثورى الإيراني لتدريب قوات الدفاع الشعبى السودانية التى تأسست على نسق قوات (الباسيج) الإيرانية.
وبدأ التعاون العسكرى بإنشاء مصنع اليرموك لإنتاج الأسلحة والذخائر والصواريخ البلاستية ومصانع جياد للمصفحات وناقلات الجنود وقد شهدت هذه المرحلة وصول أعداد كبيرة من الخبراء العسكريين الإيرانيين للخرطوم وقد تأسست منطقة مخصصة لإقامتهم فى منطقة كافوري ملحقة بنادى وملاعب رياضية لا تزال قائمة كانت منطقة مغلقة على عامة السودانيين وبها مطار لإقلاع وهبوط الهيلكوبترات أشرف عليها رجل الإنقاذ القوى فى الظلام (جمال زمقان) الذى قُتل فى منزله فى الحرب الراهنة ، وصل الإنتاج العسكرى مراحل متقدمة وتم تدريب أعداد كبيرة من الإسلاميين المتطرفين من مختلف أنحاء العالم تحت إشراف الحرس الثورى الإيرانى ، وتم تنفيذ عمليات إرهابية مشتركة بين الخرطوم وطهران فى اليمن المدمرة كول وأحداث السفارات فى شرق أفريقيا كينيا ودار السلام ، كما تم إحضار أسامة بن لادن المعارض السعودى للسودان وكان ذروة تعاون البلدين محاولة إغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك فى أديس أبابا التى وثق تفاصيلها المرحوم دكتور الترابى فى شهادته على العصر بتلفزيون الجزيرة مؤكداً تورط إيران فيها ، مما إستمطر العداء والعقوبات الدولية على السودان .
تمدد النفوذ الإيرانى فى تلك الحقبة فى السودان على المستوى الدينى والثقافى لنشر التشيع بين المواطنين فقد إنتشرت المكتبات الشيعية وتم تأسيس المركز الثقافي الايرانى فى الخرطوم ومكتبة الإمام جعفر الصادق فى منطقة العمارات وتم إنشاء عدة مؤسسات تعليمية شيعية لنشر المذهب الشيعى منها مؤسسة الإمام على إبن أبى طالب التعليمية ومدرسة فاطمة الزهراء وعدد كبير من الحسينيات فى العاصمة والأقاليم وكذلك تشكلت جمعيات خيرية لإستقطاب الفقراء وذوى الحاجات للتشيع وبدأت هذه الأنشطة المدعومة من الحكومة الإيرانية تأخذ منحى شعبى وأهلى بين السودانيين فقد أعلن أعيان مجتمع ومثقفين ووزراء فى حكومة الإنقاذ تشيعهم على الملأ مما أقلق جماعة أنصار السنة والجماعة المحمدية وقاد إلى مخاشنات كلامية ومواجهات إرهابية منها حادثة الخليفى الليبى ضد جماعة أنصار السنة ومقتل إثنين سودانيين فى منطقة الثورة ١٩٩٤م وتم الحكم بإعدام الإرهابيين بعد القبض عليهم لتهدئة الأوضاع .
تطور العلاقات السودانية الإيرانية فى تلك الحقبة قاد للكثير من المواجهات مع الجيران فى الإقليم ودول العالم ، فقد كانت أبرزها ضرب إسرائيل للسودان أكثر من ثلاثة مرات بالطيران كانت الأولى ضرب الطيران الإسرائيلى قافلة من بورتسودان فى إتجاه حلايب وشلاتين
فى ١٧/٤/٢٠١١ حسب مصادر إعلامية إسرائيلية كانت القافلة تحمل أسلحة ومتفجرات ليتم تسريبها عبر الأنفاق فى سيناء إلى حركة حماس فى غزة مما وتر العلاقات مع الجارة مصر فى تلك المرحلة ، والحادثة الثانية كانت أيضاً على ساحل البحر الأحمر فى داخل مدينة بورتسودان ضربت صواريخ إسرائيلية عربة سوناتا وتم إغتيال من بداخلها فى ٢٢ مايو ٢٠١٢م بتهمة أن المتهم هو الخبير الذى ينقل الأسلحة والمتفجرات لقطاع غزة ، وكانت خاتمة أزمات العلاقات الدبلوماسية السودانية الإيرانية قبل قطعها ضرب الطيران الحربى الإسرائيلي لمصنع اليرموك لصناعة الأسلحة فى العاصمة الخرطوم بتاريخ ٢٣إكتوبر ٢٠١٢م كان وصول العلاقات الدبلوماسية الإيرانيةمع الخرطوم قمتها فى العمل المشترك وإستقطاب العداء للسودان زيارة الرئيس المخلوع عمر البشير لإيران التى أعادته فيها المملكة العربية السعودية فى المرة الأولى للبلاد وعدم السماح له بعبور الأجواء رجع الرئيس إلى الخرطوم وتم تغيير خط السير والعودة مرة أخرى فى اليوم الثانى بعد الحصول على الموافقات الضرورية للوصول إلى طهران فى تحدى لدول الخليج العربى .
السودان يقع فى دائرة الرغبة الإيرانية على الدوام ، خاصة أن إيران لها خبرات كبيرة فى بناء العلاقات على الرمال المتحركة والدول تحت الحصار والصراعات الداخلية التى إكتسبتها من تعاملها مع الدول المضطربة فى العراق وسوريا واليمن ولبنان وتجيد إيران الإستثمار والمساومة فى حالات الأزمات القطرية ، إيران تنظر للسودان كدولة مركزية ومفتاحية للتأثير الإقليمى خاصة على البحر الأحمر ومنصة لتأسيس النفوذ فى القارة الأفريقية حيث تتقاطع دبلوماسيتها على التماس مع النفوذ السعودى والمصرى والروسى والتركى والأمريكي الأوربى خاصة على ساحل البحر الأحمر وفى أفريقيا بالتزامن مع التوسع الروسى ، السودان الآن يمثل فرصة وأرض خصبة للمشروع الإيرانى للتأثير والسيطرة على البحر الأحمر بمداخله ومخارجه الحاكمة فى باب المندب وقناة السويس ويعتبر مكمل لأمن الخليج العربى الذى تسيطر عليه إيران والعراق ، عودة العلاقات السودانية الإيرانية تعتبر إضافة للسيولة والتدهور الأمنى على البحر الأحمر سيضع بورتسودان فى تقاطع مصالح مع كل الدول الغربية والخليج والصين والهند وجمهورية مصر العربية ومكان لردود أفعال محتملة من شاكلة [ضربتنا طائرة جات طافية النور ] ونحتفظ بحق الرد .
عودة العلاقات الدبلوماسية السودانية الإيرانية مخاطر التوقيت حيث الاضطراب فى أمن البحر الأحمر وتنشيط الوجود العسكرى الأجنبى فيه وتهديدات الحوثى الحليف الإيرانى على التجارة العالمية فيه والتعبئة الأمريكية وحلف النيتو لتأمين الممر المائي الهام مما أضطرهم لتوجيه ضربات وقائية لليمن وضربات أخرى لأهداف إيرانية بلغت ٢١٠ هدف فى الدولتين العراق وسوريا ومازال حبل التوتر فى البحر الاحمر على الجرار فى هذا التوقيت إعادة العلاقات قد يسحب بورتسودان لدائرة المواجهة الدولية مرة أخرى
لكن أعتقد قيادة القوات المسلحة والإسلاميين المتشددين مضطرون لقبول هذه المساومة فى إطار البحث عن ظهير لإستمرار الحرب يدعم بالسلاح فى وقت عز فيه النصير من دول الإقليم والعالم أجمع فى حربهم ضد الدعم السريع من أجل الحصول على أسلحة إستراتيجية تغير موازين الصراع المسلح الذى لايميل إلى صالح القوات المسلحة الآن ، فإنهم مجبرين تحت ضغط المازق والبحث عن سلاح لتغيير المعادلة العسكرية Game Changer فى الحرب مثل حصول المجاهدين الأفغان فى الثمانينات على صواريخ إستنجر الأمريكية التى ساهمت فى تغيير الوضع الميدانى أمام الجيش الروسى ، لكن السؤال هل إيران الآن فى ظرف يسمح لها بذلك وهى مشغولة فى عدة جبهات نشطه ؟؟
-
السودان.. الإخوان يسعون للعودة إلى المشهد عبر المؤتمرات الدولية
-
معركة إقليم النيل الأزرق تغير مسار الحرب السودانية
وماهى كُلفة الإقتراب الحميم من إيران على بورتسودان فى اللحظة الدولية الراهنة؟ أخشى أن تكون فاتورة الخسائر أكبر من المكاسب فى هذه المقاربة الدبلوماسية العشوائية وإعتماد عودة العلاقات بين البلدين لتكون إضافة للفشل المتكرر للدبلوماسية السودانية ، الحلول التفاوضية لوقف الحرب أقصر الطرق للسلامة و أقل التكاليف وأفضلها للوطن والمواطن ، إن عودة العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية. كالمستجير من الرمضاء بالنار لو كنتم تعلمون.