تحقيقات

الرئيس الأمريكي يدرج الإخوان والحركة الإسلامية في السودان ضمن قائمة الإرهاب


أحدث قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإدراج جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك الحركة الإسلامية في السودان، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، جدلاً واسعاً داخل السودان وخارجه، حيث اعتبره مراقبون خطوة قد تعيد رسم المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد. القرار جاء عبر أمر تنفيذي أصدره ترامب، طالب فيه وزيري الخارجية ماركو روبيو والخزانة سكوت بيسنت ببدء عملية تصنيف بعض فروع الجماعة كمنظمات إرهابية أجنبية، مع التركيز على فروعها في لبنان ومصر وتونس والأردن، على أن يتم تقديم تقرير شامل خلال 45 يوماً والمضي قدماً في تطبيق التصنيفات بعد ذلك.

خطوات داخلية وخارجية

قبل أن يصبح القرار رسمياً، أعلن حاكم ولاية تكساس جريج أبوت تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) كمنظمة إرهابية أجنبية ومنظمة إجرامية عابرة للحدود الوطنية. هذا التصنيف يمنع الجماعة من شراء أو امتلاك الأراضي في الولاية، ويمنح المدعي العام سلطة اتخاذ إجراءات قانونية لإغلاقها. وعلى الصعيد الأوروبي، شهدت مدن كبرى مثل فيينا، براغ، لندن، باريس، برلين، بروكسل، سويسرا، هولندا وأيرلندا احتجاجات واسعة طالبت بتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية وفرض عقوبات على شبكاتها المالية، في إطار جهود متزايدة للحد من انتشار التطرف داخل المجتمعات الأوروبية.

الموقف السوداني

في السودان، طالبت كيانات سياسية بارزة، منها تحالف صمود بقيادة عبد الله حمدوك وتحالف تأسيس بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بتصنيف الحركة الإسلامية كتنظيم إرهابي، في محاولة لتقليص دورها داخل البلاد. وتتهم هذه القوى الحركة الإسلامية بزعامة علي كرتي بإشعال الحرب التي اندلعت منتصف أبريل 2023. ويرى مراقبون أن هذا التصنيف قد يعقد الأزمة السودانية ويطيل أمد الحرب، خاصة أن الحركة تقاتل إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، في نزاع يقترب من عامه الرابع وخلف أكبر أزمة إنسانية في العالم وفق الأمم المتحدة.

آراء المفكرين

السياسي والمفكر السوداني الدكتور النور حمد اعتبر أن قرار الولايات المتحدة تأخر كثيراً، مشيراً إلى أن السعودية والإمارات والأردن صنفت الجماعة إرهابية منذ سنوات. وأوضح أن الجماعة متعددة الرؤوس وتعمل على إرباك الحكومات العربية والإسلامية، مؤكداً أنها تقف وراء معظم أعمال العنف والإرهاب في العقود الأخيرة. وأضاف أن الجماعة استخدمت تاريخياً من قبل المخابرات الأمريكية والسعودية في مواجهة المد الشيوعي والغزو السوفيتي لأفغانستان، لكن هذا الدعم ارتد لاحقاً على داعميها عبر هجمات استهدفت مصالح أمريكية وسعودية، مثل تفجيرات الخبر وهجمات سبتمبر في نيويورك. وأكد أن الجماعة أخطبوطية بطبيعتها، تتخفى خلف مسميات وأنشطة خيرية، لكنها في جوهرها جماعة عنفية تؤمن بالوصول إلى السلطة عبر العنف.

تداعيات القرار

الصحفي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أوضح أن القرار تجاوز المرحلة الأولى بعد موافقة لجنة العلاقات الخارجية، ومن المتوقع أن يمر بسهولة في الكونغرس بفضل الأغلبية الجمهورية. وأشار إلى أن تأثير القرار سيكون كبيراً على السودان، خاصة أن دول الرباعية (مصر، الإمارات، السعودية، الولايات المتحدة) سبق أن صنفت الجماعة إرهابية، وهو ما يعزز بيانها الصادر في سبتمبر الماضي الذي نص على إبعاد الإخوان المسلمين والحزب المحلول والمجموعات الإرهابية عن مستقبل السودان. وأكد أن هذا القرار يغلق الباب أمام محاولات الحزب المحلول للعودة إلى المشهد السياسي.

مخاوف التصعيد

في المقابل، يرى المختص في شؤون الجماعات الإسلامية محمد ميرغني أن التصنيف قد يؤدي إلى تصعيد الصراع، إذ قد تعتبر الحركة الإسلامية نفسها مستهدفة وتزيد من مقاومتها، ما يفاقم التوتر بين الحكومة السودانية والمجتمع الدولي. وأكد أن قيادات الحركة لن ترضخ بسهولة وستواصل القتال ما لم تحصل على ضمانات بعدم محاكمة مصالحها وقياداتها مستقبلاً، مشدداً على أن الحل يكمن في حوار جامع لا يستثني أحداً لتجاوز مرارات الماضي وبناء سودان موحد.

البعد الإقليمي والدولي

راجت أنباء عن بدء تركيا التضييق على الإسلاميين السودانيين بعد القرار الأمريكي، لكن النور حمد أشار إلى عدم وجود معلومات مؤكدة بهذا الشأن. في الوقت نفسه، كلفت الإدارة الأمريكية وكالة الاستخبارات المركزية بمراقبة تدفق السلاح والأموال وصادرات الذهب إلى السودان لتجفيف مصادر تمويل الحرب. وأوضح أبو الجوخ أن القرار الأمريكي يظل قانوناً وطنياً لا يسري تلقائياً على دول أخرى إلا عبر اتفاقات أو قرارات من مجلس الأمن، مشيراً إلى أن الموقف التركي سيظل مرهوناً بعلاقاتها مع الدول المتضررة. وأكد أن تركيا قد تحجم أنشطة الجماعة إذا واجهت ضغوطاً أمريكية أو إقليمية، لكنها حتى الآن لم تظهر مؤشرات على تغيير موقفها.

جدل مستمر

يبقى تصنيف الحركة الإسلامية كجماعة إرهابية محل جدل واسع في السودان، بين من يرى أنه خطوة قد تضعف قدرتها على مواصلة الحرب، ومن يحذر من أنه سيؤدي إلى تصعيد الصراع. وفي كل الأحوال، يظل التحدي الأكبر هو أن يكون هذا التصنيف جزءاً من خطة شاملة لتحقيق السلام والاستقرار في السودان، لا أن يتحول إلى عامل إضافي يزيد من تعقيد الأزمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى