تحقيقات

الخرطوم الجريحة.. حين يبتلع المرض أحلام العودة


لاجئون ونازحون يمنون أنفسهم بالعودة إلى الوطن والاستقرار، الآلاف من السودانيين أعدوا حقائبهم، من خارج السودان، ومن مناطق النزوح في الداخل، تتجاذبهم أشواق العودة إلى أرضهم، بعد رحلة النزوح واللجوء القاسية حيث تقطعت بهم السبل، وعانوا ما عانوا، وفي الذاكرة لا تزال ويلات الحرب وآثارها. فيما يواجه من عاد منهم معارك بيئية وصحية باتت مهدداً لحياتهم.

لم يكن قرار العودة سهلاً، وسط التحديات الصحية والاقتصادية والمخاطر الأمنية التي شاعت في الأحياء وحتى داخل المنازل. تحديات أخافت العديد من الأسر، فعدلت عن قرار العودة إلى مناطقهم، فيما دفع ضيق الحال أو الحنين إلى الوطن بآخرين ليحلوا بقلب الخرطوم وضواحيها والمدن الأخرى، رغم مخاطر التلوث البيئي وانتشار أمراض حمى الضنك والملاريا وظهور الإسهالات المائية.

وأفادت التقارير تسجيل الخرطوم أكثر من 6 آلاف إصابة أسبوعيا بالملاريا، فيما أكدت وزارة الصحة في الأيام الماضية، عن تسجيل 723 إصابة جديدة وحالتي وفاة في أسبوع واحد بحمى الضنك. وكشف وزير الصحة أن السودان يسجل نصف وفيات الملاريا في منطقة شرق المتوسط. وحذر أطباء من انهيار الوضع الصحي والبيئي وانتشار النفايات والمياه الراكدة.

في الوقت الذي تناولت فيه وسائل التواصل الاجتماعي، تعرض الخرطوم ومناطق أخرى في السودان لتلوث كيميائي وإشعاعي إبان الاشتباكات، وإن تأثيرها قد ظهر في بعض الحالات، حيث الخرطوم (لم تعد صالحة للحياة). أحاديث نفتها وزارة الصحة السودانية مشيرة إلى عدم وجود أدلة علمية تدعم تلك الادعاءات.

عرفة أحمد مواطنة متابعة للأوضاع، وتنوي العودة إلى الخرطوم، تقول “ظهرت عدد من حالات الإسهالات المائية بولاية الخرطوم ومنطقة شرق النيل على وجه التحديد.. هنالك انتشار كثيف للباعوض، انتشرت حمى الضنك والملاريا بين الناس، المحلية تأخرت في إنجاز عملها، رغم النداءات المستمرة من المواطنين.. “. وأضافت أن لم يكن هنالك تدخل فعلي وسريع، فإن المنطقة ستمر بكارثة صحية. وأردفت ” لا بد من وجود خدمات تشجع على عودة المواطنين”.

قبل بدء الخريف أرسل ناشطون ومتابعون للأوضاع في مناطق الخرطوم عدد من الرسائل في بريد والي ولاية الولاية، داعين إلى ضرورة عودة الخدمات ورفع الأنقاض والنفايات المتعفنة، إلا أن العمل لم يكن بحجم الكارثة الصحية والإنسانية على حد قولهم، وجاءت الأمطار لتزيد الطين بلة.

وقد صدر بيان منسوب لمواطني منطقة شرق النيل نشر على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى والي ولاية الخرطوم ووزير الصحة، محذرين من التفشي الواسع لحمى الضنك بصورة مخيفة، وتحول البعوض إلى وباء يفتك بالأسر ليل نهار، مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 5 أشهر، وسط غيابٍ تام من وزارة الصحة الاتحادية، والصمتٍ غير المبرر من حكومة الولاية. محذرين بلجوئهم لكل وسائل المقاومة المدنية من اعتصامات ووقفات احتجاجية، محملين الولاية والوالي كامل المسؤولية عن كل حالة وفاة أو مرض نتيجة ذلك الإهمال، معتبرين الصمت جريمة في حق المواطنين وفقاً للبيان.

وعبر مواطنون في عدد من أحياء الخرطوم عن معاناتهم من تراكم النفايات، مبينين عدم وجود جهات مهتمة بالتحرك لإنقاذ الوضع. وقال محمد إدريس “الأحياء الشعبية التي كانت تحت مرمى النيران ما زالت تعيش إهمالاً وتهديداً صحياً.. في الوقت الذي يرغب فيه آلاف المواطنين بالعودة، ولكنهم يصدمون بما يجري على أرض الواقع، من بيئة غير مطمئنة، حتى إن بعضهم شكك في نداءات العودة الطوعية..”.

ومنذ بدء العام 2025 حتى منتصف أغسطس الماضي، عاد أكثر من 323 ألفاً من اللاجئين من مصر وحدها، معظمهم إلى ولاية الخرطوم.

إبراهيم علي ناشط مجتمعي ومتطوع، قال “هنالك تراكم كبير للنفايات والقمامة في معظم المناطق، إضافة لتكاثر أشجار المسكيت والحشائش الطفيلية وبرك المياه وسط الأحياء في ظل انتشار متزايد للملاريا وحمى الضنك..”. مشيراً إلى التحركات المتواضعة من قبل المحليات في ظل نقص واضح في الآليات والعمال. وأضاف ” ما يتم لا يتناسب مع الأوضاع التي تتطلب إعلان حالة طوارئ واستنفار صحي وتوفير المعينات من مضخات رش ومبيدات خاصة للمناطق التي يوجد. بها شباب متطوع وجاهز للعمل..”.

وزارة الصحة بولاية الخرطوم سبق أن أعلنت عن انطلاق حملة كبرى للرش الضبابي لمكافحة نواقل الأمراض، وكانت البداية بمحلية الخرطوم على أن تعم جميع محليات وأحياء الولاية. وصرح د. محمد التجاني مدير الإدارة العامة للطوارئ مكافحة الأوبئة بأن الحملة ستستمر حتى نوفمبر 2025، ضمن خطة الولاية للحد من انتشار البعوض والحشرات الناقلة للأمراض، خاصة في فصل الخريف.

وعلى ما يبدو أن الأمر يفوق قدرات وزارة الصحة السودانية التي أقرت بذلك. حيث ذكر وزير الصحة د. هيثم محمد إبراهيم أن انتشار نواقل الأمراض يحتاج إلى تمويل وجهد أكبر، رغم البدء بحملات الرش. ليبقى ذلك الموقف، مضافاً إلى مشهد اكتظاظ مستشفيات الخرطوم، على تواضع ما عاد منها للعمل، بمئات المصابين بحمى الضنك والملاريا، ينتظرون لساعات في انتظار تلقي العلاج وسط نقص الأدوية والكوادر الطبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى