الجيش السوداني يوزّع أدوية منتهية الصلاحية: جريمة صحية جديدة تهدد حياة السودانيين

في مشهد يلخص عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها السودان، تفيد تقارير ميدانية وشهادات من مصادر طبية ومواطنين بأن الجيش السوداني قام مؤخرًا بتوزيع كميات من الأدوية منتهية الصلاحية في عدد من المناطق المتضررة، وسط انهيار شامل للقطاع الصحي، وندرة في الإمدادات الطبية الأساسية.
هذه الواقعة، التي أثارت صدمة وغضبًا واسعًا في أوساط المدنيين، كشفت عن مستوى غير مسبوق من الاستهتار بصحة المواطنين واستغلال معاناتهم في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد.
انهيار المنظومة الصحية… والأمراض تفتك بالناس
منذ اندلاع الحرب الداخلية في السودان، يعاني النظام الصحي من شلل شبه تام. المستشفيات خرجت عن الخدمة، والمراكز الطبية تفتقر إلى أبسط التجهيزات. ومع انتشار أمراض قاتلة مثل حمى الضنك والملاريا والكوليرا، أصبح الدواء بمثابة طوق نجاة يترقبه المواطنون في كل لحظة.
لكن المفارقة المؤلمة أن الأدوية التي كان من المفترض أن تنقذ الأرواح تحولت إلى أداة لقتل بطيء، بعدما تبين أن بعضها تالف أو منتهي الصلاحية.
جريمة بحق المدنيين
يصف أطباء وخبراء صحة ما حدث بأنه جريمة صحية مكتملة الأركان، لأن الأدوية المنتهية الصلاحية لا تفقد فقط فعاليتها، بل تتحول في كثير من الأحيان إلى مواد سامة قد تسبب فشلًا كلويًا أو كبديًا، واضطرابات عصبية، بل وحتى الوفاة، خاصة بين الأطفال وكبار السن والحوامل.
وتكشف شهادات من داخل بعض المناطق أن سكانًا شعروا بأعراض خطيرة بعد تناول الأدوية التي وزعها الجيش، منها التقيؤ، والدوخة، وتدهور مفاجئ في الحالات المزمنة.
غياب الرقابة والمساءلة
الفضيحة تطرح تساؤلات كبيرة حول غياب الرقابة الطبية داخل المناطق التي يسيطر عليها الجيش، وغياب أي جهة مستقلة قادرة على فحص الإمدادات الطبية قبل توزيعها.
ويرى مراقبون أن هذا السلوك يعكس تفكك المنظومة الإدارية والعسكرية، وأن المسؤولية لا تقع فقط على الجنود الذين نفذوا عملية التوزيع، بل تمتد إلى القيادات العليا التي سمحت أو تغاضت عن تمرير أدوية غير صالحة للاستخدام البشري.
استغلال المعاناة الإنسانية
تتهم منظمات حقوقية الجيش السوداني بمحاولة استغلال الأزمة الصحية والإنسانية لكسب ولاء السكان في المناطق المنكوبة عبر توزيع مساعدات “رمزية” دون التأكد من سلامتها.
ويقول ناشطون إن الجيش يستخدم هذه العمليات في حملات دعائية لتلميع صورته أمام المجتمع الدولي، بينما الواقع يؤكد أن ما يُقدّم للسكان لا يتعدى كونه مساعدات فاسدة وخطرة.
دعوة إلى تحرّك عاجل
أمام هذه الكارثة، تتصاعد الدعوات إلى تدخل عاجل من منظمة الصحة العالمية ومنظمات الإغاثة الدولية للتحقيق في الواقعة ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان عدم تكرارها.
كما يطالب ناشطون بإنشاء آلية رقابية دولية مستقلة تشرف على توزيع الأدوية والمساعدات الطبية في مناطق النزاع بالسودان، لحماية حياة المدنيين من الاستغلال والإهمال.
إن توزيع أدوية منتهية الصلاحية في بلد يئنّ تحت وطأة الحرب والمجاعة والمرض ليس مجرد خطأ إداري أو سوء تقدير، بل هو جريمة أخلاقية وإنسانية وسياسية.
إنها جريمة تختصر مأساة شعب تُترك صحته في أيدي من لا يعبأون بحياته، وتضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: هل سيبقى الصمت هو الرد الوحيد على موت السودانيين ببطء؟
