الجيش الأبيض يشعل النزاع مجدداً.. مخاوف من دوامة حرب أهلية جديدة

أعلن الجيش في جنوب السودان مقتل 14 شخصًا على الأقل، بينهم أربعة جنود وعشرة من عناصر جماعة مسلحة، في اشتباكات اندلعت بمنطقة نائية في ولاية أعالي النيل، شمال شرقي البلاد، حيث يشهد الوضع الأمني توترًا متزايدًا منذ اعتقال النائب الأول للرئيس ريك مشار في مارس/اذار الماضي.
وأفاد قرنق أتيني المتحدث باسم الجيش بأن الاشتباكات وقعت أمس الاثنين عندما شن مقاتلون من ميليشيا تعرف باسم “الجيش الأبيض” ثلاث هجمات متفرقة على مواقع تابعة للجيش قرب بلدة الناصر، وهي معقل تقليدي لمناصري مشار من قبيلة النوير.
وتأتي هذه الاشتباكات في سياق سياسي متوتر تشهده البلاد منذ اعتقال ريك مشار، وهو زعيم المعارضة المسلحة وزعيم “الحركة الشعبية لتحرير السودان – في المعارضة”، وأحد أبرز خصوم الرئيس سلفا كير الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا.
وقد أثار توقيف مشار الذي يُتهم بمحاولة التحريض على التمرد عبر دعم جماعات مسلحة من بينها “الجيش الأبيض”، قلقًا دوليًا متزايدًا ومخاوف من انهيار اتفاق السلام الهش الموقّع عام 2018، والذي أنهى حربًا أهلية دامية استمرت أكثر من خمس سنوات وأسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 400 ألف شخص ونزوح الملايين.
ويُعد “الجيش الأبيض” جماعة مسلحة تتكوّن في معظمها من شباب محليين من النوير، وغالبًا ما يُنظر إليهم كقوة مساندة للحركة الشعبية المعارضة بزعامة مشار، رغم أن الأخير ينفي أي علاقة تنظيمية حالية بهم. وتتهم الحكومة الجماعة بالقيام بهجمات ضد القوات النظامية وتخريب جهود السلام.
وقال أتيني إن الجيش تمكن من صد الهجمات، مشيرًا إلى “سقوط أربعة قتلى في صفوف القوات النظامية، مقابل عشرة في صفوف المهاجمين”، لكنه لم يوضح ما إذا كانت هناك إصابات أو خسائر مدنية.
ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان أو من ممثلين عن “الجيش الأبيض”، في وقت تتصاعد فيه التساؤلات حول الجهة التي تقف فعليًا خلف هذه العمليات المسلحة.
المخاوف من العودة إلى الحرب الأهلية
تُشكل هذه الاشتباكات إنذارا مبكرا لاحتمال انزلاق البلاد مجددًا نحو حرب أهلية، خصوصًا مع استمرار التوترات بين جناحي السلطة، وصعوبة تنفيذ البنود الأساسية لاتفاق تقاسم السلطة، وعلى رأسها توحيد الجيش ودمج الفصائل المسلحة في جيش وطني موحد.
ويُنظر إلى اعتقال مشار باعتباره نقطة تحول خطيرة، إذ أنه يُمثل رمزًا للمعارضة السياسية والعسكرية في البلاد. وقد نددت منظمات دولية ومراقبون إقليميون بالخطوة، محذرين من أن تغييب الشركاء السياسيين بالقوة قد يعيد إنتاج أسباب النزاع العرقي الذي مزّق البلاد منذ استقلالها عن السودان في عام 2011.
ورغم مرور خمس سنوات على توقيع اتفاق السلام، لا تزال معظم بنوده الجوهرية غير مطبقة بالكامل، بما في ذلك تشكيل جيش موحد، وإجراء انتخابات وطنية، وصياغة دستور دائم. وقد أدى هذا الجمود السياسي إلى حالة من الاحتقان الشعبي والانفلات الأمني، خاصة في المناطق الحدودية والنائية مثل أعالي النيل.
وفي ظل غياب الثقة بين الشريكين الرئيسيين في الحكم، ومع تكرار الاشتباكات العنيفة بين فصائل عرقية مسلحة، يُخشى أن تشهد البلاد موجة عنف جديدة تقوّض مكاسب السلام المحدودة وتُغرق جنوب السودان مجددًا في دوامة الحرب والانقسام.
