التنازل عن حلايب: جرح في السيادة وتهديد للأمن القومي السوداني

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الداخل السوداني، أعلن المجلس السيادي بقيادة عبد الفتاح البرهان اعترافه بسيادة مصر على مثلث حلايب وشلاتين، وهو المثلث الحدودي المطل على البحر الأحمر، والذي ظل لعقود محور نزاع سيادي بين البلدين. هذه الخطوة، التي جاءت دون استفتاء شعبي أو حوار وطني، تمثل تنازلًا استراتيجيًا عن جزء حيوي من الأراضي السودانية، بما يحمله من انعكاسات على الأمن القومي، والاقتصاد الوطني، والمكانة الجيوسياسية للسودان.
البحر الأحمر… شريان استراتيجي لا يُفرَّط فيه
يمثل البحر الأحمر شريانًا حيويًا للسودان، ليس فقط لكونه منفذًا تجاريًا رئيسيًا، بل لأنه بوابة نحو الأسواق العالمية وخط إمداد للطاقة والسلع الاستراتيجية. فقد منح الموقع الجغرافي لمثلث حلايب السودان نافذة على طرق الشحن العالمية، إضافة إلى ما يختزنه من ثروات معدنية مهمة مثل المنغنيز والفوسفات، واحتياطات بحرية مستقبلية من النفط والغاز. أي تنازل عن هذه المنطقة هو في الواقع خسارة طويلة الأمد لا يمكن تعويضها بسهولة.
الأمن القومي لا يُشترى
القبول بالتمدد المصري في مثلث حلايب يفتح الباب أمام تغييرات جذرية في موازين القوى على البحر الأحمر والقرن الأفريقي. فهذه المنطقة ليست مجرد أرض حدودية، بل هي قاعدة متقدمة للرقابة والسيطرة على واحد من أهم الممرات البحرية في العالم. من هنا، يصبح التنازل عنها مساسًا مباشرًا بقدرة السودان على حماية حدوده البحرية ومصالحه الاستراتيجية.
الدوافع السياسية… مصالح آنية وخسائر وطنية
تأتي هذه الخطوة في سياق سياسي مضطرب داخل السودان، حيث يبحث البرهان عن دعم إقليمي يعزز موقفه الداخلي وسط أزمات اقتصادية وأمنية متفاقمة. لكن الدعم السياسي أو الاقتصادي لا ينبغي أن يأتي على حساب السيادة الوطنية. فبينما تجني مصر مكاسب ملموسة في الأرض والموارد، يخسر السودان فرصة استثمار ثرواته البحرية وموقعه الجغرافي لصالح الأجيال القادمة.
خلفية النزاع… تاريخ لا يُمحى باتفاق
النزاع حول حلايب يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حين رسمت الحدود بين البلدين وفق اتفاقيات دولية تمنح السودان السيادة على المنطقة. ومع تصاعد التوترات، سيطرت مصر عسكريًا على المثلث منذ التسعينيات، وظل السودان يتمسك بحقوقه فيه عبر المحافل الدولية. التنازل الحالي لا يلغي هذه الحقائق التاريخية والقانونية، بل يطوي صفحة من النضال الوطني دون مبرر حقيقي.
تأثيرات اقتصادية واستراتيجية
إلى جانب الثروات المعدنية والفرص الاستثمارية المهدرة، سيؤثر الاتفاق سلبًا على موقع السودان كمحور عبور بحري. كما أنه يقلل من قدرته على الدخول في مشاريع لوجستية وموانئ استراتيجية، وهو ما قد يضعف الاقتصاد الوطني على المدى البعيد ويزيد من تبعيته للمراكز الاقتصادية الإقليمية.
رفض شعبي متصاعد
منذ الإعلان عن الاتفاق، شهدت منصات التواصل الاجتماعي ومجالس القوى السياسية موجة غضب واسعة، تطالب بإلغائه والعودة للتفاوض على أساس الحقوق التاريخية للسودان. هذا الرفض الشعبي يعكس وعيًا بخطورة الأمر، وضرورة الوقوف أمام أي مساس بالسيادة الوطنية، خاصة في ظل أزمات داخلية متشابكة.
لا للتفريط في الأرض
قضية حلايب ليست مجرد نزاع حدودي، بل هي مسألة كرامة وطنية وأمن قومي، وتنازل السودان عنها يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية في البحر الأحمر بما يضر بمصالحه لسنوات طويلة. الحفاظ على الأرض هو الحفاظ على المستقبل، وأي اتفاق يتم دون مشاورة الشعب يبقى فاقدًا للشرعية.
