التقارب السوداني الإيراني.. مخرج من الأزمة أم قفزة في المجهول؟
بعد قطيعة استمرت نحو 8 سنوات، يتجه السودان وإيران، بخطى متسارعة لفتح صفحة جديدة في العلاقات، وسط توترات إقليمية متصاعدة.
وحسب تقارير إعلامية، فإن الجانبين السوداني والإيراني، اتفقا على إعادة فتح السفارتين بعد اكتمال الترتيبات اللوجستية.
ووفقا للتقارير، فإن الحكومة السودانية اعتمدت رسميا سفير إيران لدى البلاد كأول سفير بعد قطع العلاقات في العام 2016.
كما رشح السودان، السفير عبد العزيز حسين صالح، كأول سفير له في إيران، منذ قطع العلاقات.
فيما أبلغت مصادر دبلوماسية بأن السفير الإيراني الجديد، وصل إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، لمباشرة أعماله.
“تقارب”
وقال مستشار رئيس الوزراء السابق، فائز الشيخ، إن عودة العلاقات بين طهران وسلطة الأمر الواقع في بورتسودان، يُنظر إليها في هذا التوقيت من زاويتين، أولها حاجة الجيش السوداني للدعم العسكري الإيراني، وقد سبق التعاون العسكري التطبيع الدبلوماسي بإمداد الجيش بمسيرات (مهاجر 6).
وتابع: “وربما في المستقبل، يشمل ذلك تدريبا عسكريا وخبراء فنيين مقابل حصول إيران على وجود بحري في الشواطئ السودانية، وهذا الوضع يمكن إيران من التمدد والانتشار من اليمن إلى مناطق أبعد”.
وأوضح الشيخ أن الزاوية الأخرى “ربما تود الخرطوم المناورة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول إقليمية بورقة إيران لتخفيف الضغط عليها”.
وأضاف، “هذا الاتجاه يؤكد سيطرة المدرسة الدبلوماسية الإيرانية داخل سلطة الأمر الواقع التي تفضل المصادمة مع المحيط الإقليمي والدول الغربية”.
لحظة التطبيع
وفي 5 فبراير/شباط الماضي، وصل وزير الخارجية السوداني المكلف، علي الصادق، إلى العاصمة الإيرانية طهران، باعتباره أول وزير في بلاده يزور إيران بعد 8 سنوات.
واستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وقتها، وزير الخارجية السوداني، ورحَّب برغبة الخرطوم في إحياء العلاقات مع طهران، بل اعتبر ذلك “أساسا لتعويض الفرص الضائعة وتوفير أخرى جديدة”.
كما أكد الرئيس الإيراني، دعم طهران لـ”إرساء حكومة قوية في السودان وسيادته”، معتبرا أن “إعادة فتح السفارتين في طهران والخرطوم وتبادل السفراء يمهدان الأرضية المناسبة لإحياء وتطوير علاقات البلدين”.
الترحيب بعودة العلاقات من أعلى مستويات الدولة الإيرانية، قوبل بتأكيد سوداني من وزير الخارجية الذي أعلن استعداد بلاده “لاستعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إيران”.
تعاون أمني وعسكري
من جهته، يقول الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، أمين إسماعيل مجذوب، إن “العلاقات السودانية الإيرانية كانت منذ سبعينيات القرن الماضي تشهد تعاونا سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا وتم قطع العلاقات نتيجة لمتغيرات إقليمية بعد الاعتداء على السفارة السعودية والقنصلية في مشهد”.
وتابع “بالتالي السودان وقف مع السعودية ومن ثم تحدث عن أسباب أخرى منها انتشار الملحقيات الثقافية ومحاولة نشر المد الشيعي”.
وأضاف مجذوب “في تقديري أن المُتغيرات تحولت في بداية هذا العام عندما أعادت السعودية علاقتها مع إيران وتغيرت الحاجة الأمنية لإعادة العلاقات مع إيران”.
مستطردا “بادر السودان بإعادة علاقاته مع إيران وإيران نفسها تحاول العودة إلى السودان والاستفادة من الموارد الموجودة وإعادة العلاقات العسكرية والاقتصادية إلى قمتها”.
وتابع، “بالتالي من الطبيعي أن تعود العلاقات مثلما كان من الطبيعي أنها قُطعت في فترة ما في 2016، الآن هناك ترشيح لأحد السفراء، أعتقد السفير عبد العزيز محمد صالح، وترتيبات لتبادل السفراء”.
مجذوب قال أيضا “بالتالي هو أمر طبيعي ولكن انزعجت بعض الدوائر الداخلية والإقليمية من إعادة العلاقات خاصة وأن الجميع يعتقد أن التفوق العسكري للجيش السوداني مرتبط بمنحه أسلحة أو مسيرات أو طائرات من إيران.”
وتابع: “الخطوة أيضا كانت مسألة انزعاج لبعض القوى السياسية الموجودة بالداخل، والقوى الإقليمية وكذلك الدولية، هناك من يعتقد أن إيران ستطل على البحر الأحمر وستكون لها قاعدة وهذا أمر لم يحدث ولن يحدث في تقديري لأن مسألة الأمن القومي السودان وارتباط السودان بآلية تأمين البحر الأحمر مع السعودية والدول المتشاطئة للبحر”.
واستطرد: “تم الاتفاق على عدم وجود قواعد لقوات أجنبية في الدول السبع المتشاطئة مع بعضها البعض في البحر الأحمر. وهذا ينفي فرضية أن إيران تسعى لبعض المكاسب، وإنما هي إعادة علاقات طبيعية”، على حد قوله.
خطوات “غير مدروسة”
في المقابل، يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، إن هذه الخطوات “تؤكد أن من يديرون العملية الدبلوماسية في السودان يسيرون بأعين مغمضة في الظلام ولا يحسبون خطواتهم جيدا والمسار الذي قد تفضي إليه”.
وأوضح الأسباط أن من “يقودون الدبلوماسية السودانية الآن يعيدون علاقات السودان مع إيران التي تشهد يوما بعد يوم التضييق عليها وخنقها دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا من الدول الكبرى والمؤثرة، ليس من الولايات المتحدة وحدها ولكن دول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وبعض الدول الأفريقية”.
وأضاف: “كل هذه المعطيات تجعل الاقتراب من إيران والوصول معها إلى علاقات متقدمة يعني تنصيفا للسودان بشكل أو بآخر، بالتالي سيزيد الخناق أيضا على الحكومة التي تعاني أصلا من خناق يزداد يوما بعد يوم.”
وتابع: “بالتالي فإن هذه الخطوة هي خطوة غير موفقة ولا تخدم المواطن السوداني، وقد تخدم الحكومة لأسباب عسكرية أو غيرها، لكنها ستجلب لها مشكلات وأزمات دبلوماسية في الإقليم ومع الدول المؤثرة في العالم.”
تاريخ العلاقات
وفي يناير/كانون الثاني 2016، وخلال حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير (1989- 2019)، قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران، ردا على اقتحام محتجين لسفارة السعودية في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق).
وقبل قطع العلاقات بين البلدين، كانت العلاقات بين الخرطوم وطهران وثيقة، وكانت الأخيرة مصدرا وموردا للأسلحة إلى الخرطوم منذ تسعينيات القرن الماضي، كما تضمنت العلاقات آنذاك اتفاقيات تعاون عسكرية ودفاعية بالإضافة إلى مشاريع مشتركة.
وفي يوليو/ تموز 2023، التأم أول لقاء بين وزيري خارجية السودان وإيران على هامش اجتماع وزراء خارجية دول “حركة عدم الانحياز” بالعاصمة الأذربيجانية باكو، وأعلن الوزيران في ذلك اللقاء “استئنافا وشيكا للعلاقات بين البلدين”، ليعلنا رسميا في 9 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، قرار استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بعد قطيعة 7 سنوات.
بعد ذلك الوقت، وعلى هامش القمة المشتركة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بالرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، التقى الرئيس الإيراني برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وبحثا تعزيز العلاقات بين البلدين.