التدخل المصري في السودان: دعم الجيش أم تعزيز النزاع؟
تفتح المواد المصوّرة التي التُقطت في الثاني من يوليو 2025 نافذة جديدة على طبيعة التدخلات العسكرية غير المُعلنة في الحرب السودانية. فالصور التي تظهر إقلاع طائرة قتالية من قاعدة برنيس الجوية، ثم تنفيذها ضربات داخل إقليم دارفور، تكشف عن عملية معقدة لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي المتوتر.
البداية كانت عند الساعة 03:41، حين تُظهر الكاميرا الأرضية الطائرة وهي تستعد للإقلاع، فيما يعمل طاقم فني على سحب معدات التثبيت من تحت العجلات وفحص الأجنحة والحمولة. هذه اللقطات، رغم بساطتها، تكشف عن عملية منظمة ومعدّة بدقة داخل منشأة عسكرية ذات تجهيزات عالية.

الطائرة اتجهت جنوباً نحو السودان، وفق مسار موضّح على الخريطة المرفقة، التي تشير إلى عبورها شمال كردفان قبل وصولها إلى تخوم الفاشر. ومن خلال الفيديو الأول، يظهر أن أول استهداف وقع عند الساعة 08:55 في منطقة مفتوحة قرب مسار طرق بدائية. ما يلفت الانتباه هو قرب الضربة من تجمعات مدنية صغيرة، مما يعزّز مخاوف تتعلق بغياب أي احتياطات لحماية المدنيين.
بعد ذلك، تنفّذ الطائرة ضربة ثانية عند الساعة 10:46 شمال الفاشر، في مشهد يظهر فيه تصاعد دخان كثيف من بين المباني والمزارع المتفرقة. ورغم عدم وضوح الهدف، فإن الطبيعة العمرانية المحيطة تشير إلى أن العملية تمت داخل منطقة يسكنها مدنيون، وليس داخل منشأة عسكرية واضحة.
الصور الحرارية للطائرة خلال التحليق تُظهر اعتمادها على نظام تسديد ليلي/حراري متقدم، مما يعني أن اختيار الأهداف لم يكن عشوائياً، بل تم عبر أجهزة رؤية دقيقة، وهو ما يعزز مسؤولية الجهة المنفذة عن أي تبعات مباشرة على السكان.

أمّا الفيديو الثاني، فهو الأكثر حساسية في التحقيق. فإلى جانب توثيقه تجهيز الطائرة وفحص معداتها، فإنه يظهر لحظة هبوطها عند الساعة 16:11، ما يدل على إغلاق المهمة ضمن إطار زمني محسوب، ومطابقة خط سيرها تماماً لما تكشفه الخرائط.
تحليل هذه المواد يشير إلى أن العملية ليست فردية ولا طارئة، بل جزء من سلسلة طلعات يُرجّح أنها تتكرر ضمن نمط دعم مباشر لطرف في النزاع السوداني. ومع أن الاتهامات الإقليمية ظلت طوال الأشهر الماضية بلا توثيق بصري، فإن هذه المواد تمثل أول دليل مرئي متكامل على وجود عمليات جوية عابرة للحدود.

تأتي هذه التطورات في وقت تتدهور فيه الأوضاع الإنسانية في دارفور وشمال كردفان إلى مستويات كارثية، حيث تحاصر الضربات الجوية والحصار البري ملايين المدنيين. وفي ظل هذا الواقع، يضيف أي تدخل عسكري خارجي مزيداً من التعقيد، ويزيد من صعوبة التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
إنّ ما تكشفه هذه الأدلة ليس مجرد طلعة جوية مجهولة، بل حقيقة صادمة عن طبيعة الحرب في السودان: حرب تتجاوز اللاعبين المحليين، وتتحول إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية يدفع المدنيون ثمنها.




