البرهان يكرّس حكمه المطلق: تعديلات دستورية تُقصي المعارضة وتمنحه سلطات استبدادية

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية السودانية، أجرت حكومة بورتسودان تعديلات جوهرية على الوثيقة الدستورية لعام 2019، مانحةً رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، صلاحيات موسعة تُعزز من نفوذه في إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية.
الفترة الانتقالية الجديدة وصلاحيات البرهان
حددت التعديلات فترة انتقالية تمتد لـ 39 شهراً، تبدأ من تاريخ اعتماد الوثيقة المعدلة. خلال هذه الفترة، مُنح البرهان سلطات واسعة تحت بند “تأمين البلاد وإنهاء الحرب”، تشمل تعيين وإعفاء رئيس الوزراء، مما يعزز من قبضته على السلطة التنفيذية. كما تم زيادة عدد أعضاء مجلس السيادة إلى تسعة، ستة منهم يُعينهم البرهان، وثلاثة يمثلون أطراف اتفاق جوبا للسلام.
استبعاد قوى الحرية والتغيير والدعم السريع
أحد أبرز التعديلات تمثل في استبعاد تحالف قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع من الوثيقة الدستورية المعدلة. تم استبدالهم بقوى وطنية داعمة للجيش، تمهيداً لاستيعاب هذه الحاضنة الجديدة في الحكومة المرتقبة التي سيشكلها البرهان. هذا التغيير يعكس تحولاً في التحالفات السياسية داخل البلاد، ويثير تساؤلات حول مستقبل التوازنات السياسية في السودان.
احتفاظ الحركات المسلحة بحصصها في السلطة
بالرغم من هذه التعديلات، احتفظت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام بحصصها المتفق عليها في هياكل السلطة. تم التأكيد على تمثيل المرأة والأقاليم في مجلس السيادة، مع الإبقاء على عدد الوزارات عند 26 وزارة، بدلاً من تقليصها إلى 16 كما كان مقترحاً سابقاً. هذا يعكس التزام الحكومة بالاتفاقيات السابقة مع الحركات المسلحة، رغم التغييرات السياسية الجارية.
جدل قانوني وسياسي حول التعديلات
أثارت هذه التعديلات جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاً. ففي حين يرى البعض أنها ضرورية لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية الراهنة، يعتبرها آخرون تكريساً لهيمنة المؤسسة العسكرية على الحكم وتجاوزاً للوثيقة الدستورية الأصلية. الخبير القانوني نبيل أديب أشار إلى أن التعديلات تتطلب موافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي، والذي لم يتم تشكيله بعد، مما يثير تساؤلات حول شرعية هذه التعديلات.
تعكس التعديلات الأخيرة على الوثيقة الدستورية في السودان تحولات جذرية في المشهد السياسي، مع تعزيز صلاحيات رئيس مجلس السيادة واستبعاد بعض القوى السياسية الرئيسية. يبقى السؤال حول كيفية تأثير هذه التعديلات على مستقبل الديمقراطية والاستقرار في البلاد، وما إذا كانت ستسهم في تحقيق السلام وإنهاء الصراعات المستمرة.
