أحداث

البرهان يضع عراقيل جديدة أمام مبادرة الرباعية ويؤجج المواجهة العسكرية


في خضم حرب دامية مزقت البلاد، تتصاعد حدة المواجهة في السودان ليس فقط على الجبهات العسكرية، ولكن أيضاً على الصعيد الدبلوماسي بين الحكومة السودانية والمجتمع الدولي. وبينما تدفع الأطراف الإقليمية والدولية باتجاه وقف فوري لإطلاق النار عبر آليات مثل “الرباعية الدولية”، تصرّ وزارة الخارجية السودانية على أن مفتاح الحل لا يوجد في الخارج، بل يجب أن ينبع من الإرادة الوطنية الخالصة.

ويشير هذا الموقف المتصلب من الحكومة إلى رفض مساعي الهدنة والتفاوض، مما يُبقي الأفق مسدوداً أمام إنهاء مأساة إنسانية غير مسبوقة.

ونفت وزارة الخارجية السودانية بشكل قاطع عقد أي لقاء للآلية “الرباعية الدولية” في واشنطن أو أي عاصمة أخرى يتعلق بالشأن السوداني، مؤكدة على ضرورة احترام سيادة الدولة.

وشددت على أن السلام الشامل والمستدام يجب أن ينبع من إرادة الشعب السوداني، مؤكدة رفضها المطلق لأي تفاهمات تُعقد خارجيًا أو فرض أجندات لا تتسق مع رؤية الدولة السودانية لمستقبلها.

ويُنظر إلى هذا الموقف باعتباره رفضًا صريحًا للمساعي الدولية والإقليمية التي قد تراها الحكومة محاولة لفرض وصاية أو التدخل في شؤونها الداخلية، ما يُعقد جهود الوسطاء الدوليين بشكل كبير.

ويتجلى موقف الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان في تشدد غير مسبوق ورفض مستمر لمساعي الهدنة، بالرغم من التكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة للحرب والخسائر المتبادلة.

ولجأ الجيش إلى تلغيم المفاوضات السابقة بشروط “تعجيزية”، من بينها الإصرار على الانسحاب الفوري والكامل لقوات الدعم السريع من جميع المدن والمناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك الخرطوم وعدد من مدن دارفور وكردفان والجزيرة. وإلقاء السلاح الثقيل بشكل كامل وتجميع المقاتلين في معسكرات محددة، ما يُعد عملياً تفكيكاً للقوات.

وأكد الجيش عبر قياداته، ومنها مجلس السيادة الانتقالي، على الرفض القاطع لأي دور مستقبلي لقيادات الدعم السريع في العمل السياسي أو المؤسسة العسكرية.

ويُعزى هذا التشدد إلى دوافع عديدة من بينها ضغط تيار “الفلول”، إذ يشير العديد من المراقبين إلى وجود نفوذ متزايد لفلول النظام السابق (المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية) داخل الجيش وفي صفوف القوات المساندة. هذا التيار يدفع نحو الحسم الشامل ويرفض أي تسوية سياسية، حيث يرى في الهدنة مجرد تجميد للوضع يخدم مصالح الطرف الآخر ويحول دون تحقيق “النصر المؤزر” الذي يسعى إليه.

ويتمسك الجيش بموقفه القائم على ضرورة استعادة هيبة الدولة وفرض القانون، واعتبار أن التفاوض من دون شروط صارمة يُعد تنازلاً عن حقه وواجبه في مواجهة ما يصفه بـ”التمرد”.

وعلى النقيض من موقف الجيش، أظهر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، مرونة أكبر على الصعيد الدبلوماسي والإعلامي، وأعلن مراراً ترحيبه بأي جهود إقليمية أو دولية تهدف لوقف الحرب، بما في ذلك بيانات مجلس الأمن ومبادرات “إيغاد” أو “الرباعية”، وحرص على التواصل مع القوى المدنية والوسطاء الإقليميين.

ويربط حميدتي رفض الجيش للمفاوضات بسيطرة النظام القديم أو الفلول على قرار القوات المسلحة، ما يمنح خطابه الداعم للحل السلمي مصداقية أكبر ويزيد من الضغط الدولي على قيادة القوات المسلحة السودانية.

وينظر إلى هذا الموقف باعتباره استراتيجية تهدف إلى تثبيت وضع الدعم السريع كقوة أمر واقع، ويتسجيل نقاط دبلوماسية دولياً، وإظهار الجيش كطرف معرقل للسلام.

ويؤكد التباين العميق بين تصلب موقف البرهان ومرونة قائد الدعم السريع على أن مسار الحرب يمر بمنعطف خطير، ما يُنذر باستمرار الصراع واستنزاف المزيد من أرواح المدنيين وتعميق الأزمة الإنسانية في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى