البرهان من إيران.. ما هي دلالات التقرّب ؟
في أوائل فبراير، قام وكيل وزارة الخارجية السودانية، علي الصادق، بأول زيارة دبلوماسية رفيعة المستوى إلى طهران منذ سبع سنوات، حيث التقى بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ونظيره حسين أمير عبد اللهيان.
وتأتي هذه الزيارة كأحدث علامة على العلاقات المتنامية بين الخرطوم وطهران، بينما تواجه الدولة الأفريقية حربًا أهلية دامية.
وبحسب وكالة أنباء “إرنا”، فإن رئيسي أعرب بعد الاجتماع عن دعم إيران لتشكيل حكومة قوية في السودان والحفاظ على سلامة أراضيه. وأشاد عبد اللهيان بخطط إعادة فتح السفارات، وقال إن “طهران مستعدة لمشاركة خبرتها في مجالات مثل الصناعة والهندسة والتكنولوجيا”.
علاقات متينة
وقطعت السودان علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في عام 2016، وذلك بعد هجوم على سفارة السعودية في طهران، أعقب ذلك إعدام رجل دين شيعي بارز من قبل السلطات السعودية. ما أدى إلى ما وصف بـ”تفاقم العلاقات بين إيران والسعودية”.
وقد كانت السودان وإيران تتمتعان بعلاقات قوية منذ التسعينيات، عندما اقتربتا من بعضهما البعض بعد أن ابتعدت الخرطوم عن دول الخليج بسبب دعمها لغزو العراق للكويت”.
إلى ذلك، أفادت عدد من التقارير بأن “طهران، التي وجدت نفسها معزولة دوليًا أيضًا، زوّدت السودان بالأسلحة لسنوات وساعدتها في تطوير صناعتها العسكرية”.
في المقابل، قال خبير في السياسة الخارجية الإيرانية واستراتيجيات طهران غير المتكافئة والهجينة في كلية القوات الكندية (CFC) في تورنتو، بيير بهلوي: “على مدار التسعينيات، سمح تطوير العلاقات الثنائية لإيران بالخروج من العزلة الدبلوماسية وإيجاد حليف استراتيجي في العالم العربي وفي منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية”.
وأضاف بهلوي أنه “خلال هذه الفترة، قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مساعدات مالية وعسكرية كبيرة لحكومة السودان”.
وبحلول عام 2016، عندما توترت العلاقات بين البلدين، كانت الخرطوم قد بدأت بالفعل في الانزلاق نحو المدار السعودي، بما في ذلك إرسال قوات إلى اليمن للقتال ضد حركة الحوثيين. وقد فسّر الكثيرون هذا التغيير بأنه محاولة لجذب الاستثمارات السعودية.
ومع ذلك، فإنه في مارس الماضي، مهّدت إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، بوساطة من الصين، الطريق أمام دول عربية أخرى للقيام بنفس الشيء. وتزامن هذا التطور مع اقتراب الحرب الأهلية في السودان بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية من الازدياد.
الأسلحة والأيديولوجية
وأحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الجيش السوداني إلى إعادة العلاقات مع إيران هو نيّته الحصول على مساعدات عسكرية، وذلك في الوقت الذي واجهت فيه قواته انتكاسات كبيرة على العديد من الجبهات الاستراتيجية ضد قوات الدعم السريع في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك نيالا وودمدني، ثالث ورابع أكبر مدن البلاد بعد الخرطوم”.
وقال الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون السودانية، جهاد مشمون، إن “عبد الفتاح البرهان يبحث عن أسلحة دقيقة لمهاجمة مواقع وقوات الدعم السريع المتحركة من منظور عسكري”.
ومن بين المعدات الأكثر رغبة للجيش السوداني طائرات بدون طيار إيرانية مثل “مهاجر 6” الشهيرة. وقد صرح مسؤولون غربيون كبار لوكالة “بلومبيرغ” بأنه تم بالفعل إرسال بعض هذه الطائرات بدون طيار إلى السودان وأن الجيش السوداني يستخدمها الآن في معاركه. كما ادّعت قوات الدعم السريع أنها أسقطت ما لا يقل عن ثلاث طائرات بدون طيار من هذا النوع في الخرطوم.
في المقابل، ذكر زويننبرغ، وهو الخبير في التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، أن “وجود طائرات إيرانية بدون طيار في السودان موثق منذ عام 2008 على الأقل، لكن تم رصد اثنتين على الأقل منذ بداية الحرب الأهلية الحالية، في يناير من هذا العام”.
وأضاف زويننبرغ، أنه “على الرغم من أن عدد الطائرات بدون طيار المرسلة منخفض -اثنتين على الأقل- إلا أنه لن يكون له تأثير كبير، إلا أن هذا التصدير يشير إلى: الاهتمام السياسي الإيراني بإقامة علاقات مع السودان، والحاجة المتصورة للجيش النظامي لتعزيز قدراته على استخدام الطائرات بدون طيار”.
وأوضح أنه “لا يزال من غير الواضح ما هي النتائج التي يمكن أن يترتب عليها هذا التدفق المحدود للأسلحة والطائرات بدون طيار من إيران على الجيش على مستقبل الحرب في السودان”.
لكن يعتقد المحللون العسكريون أنه لا يمكن رفع مستوى هذه المساعدة إلى مستويات كبيرة، بما يكفي لقلب ميزان الحرب لصالح الجيش النظامي على المدى القصير، خاصة أن أوجه قصور الجيش تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من الذخيرة الموجودة لديه.
ومع ذلك، فإنه يمكن أن تمكنهم هذه المساعدة في ضرب قوات الدعم السريع استراتيجيًا، بما في ذلك خطوط الإمداد، وتعزيز هجماتهم الخاصة. ويمكن أن يؤدي ذلك على الأقل إلى وقف انهيار الجيش النظامي في الأشهر الأخيرة وتعزيز مواقعه وجعله في وضع أكثر راحة للمفاوضات.
وأفاد زويننبرغ، بأن “لدى قوات الدعم السريع أيضًا صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف يمكنها إسقاط هذه الطائرات بدون طيار. هذا يجعل الوضع محفوفًا بالمخاطر للجيش النظامي. ومع ذلك، فإنها على الأقل تمنح الجيش النظامي المزيد من خيارات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وقدرة الضرب”.
وخلال زيارته لإيران، زار علي الصادق “بيت الابتكار والتكنولوجيا الإيراني” (IHIT) وهي مؤسسة تهدف إلى دعم الصادرات الإيرانية، والتقى بمديرها أمير حسين مير آبادي، لبحث سبل التعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي يشن فيه الجيش النظامي هجومًا كبيرًا في مدينة أم درمان، التوأم للخرطوم، في الأسابيع الأخيرة، في محاولة لكسر الحصار المفروض على قواته في قلب المدينة منذ أشهر. وقد حققوا تقدمًا بطيئًا ولكن مهمًا لأول مرة منذ بدء الحرب.
فبالإضافة إلى الدعم العسكري، فإنه يُنظر إلى التقارب مع إيران أيضًا على أنه علامة على التأثير المتزايد للقطاعات الإسلامية الموالية للنظام السابق لعمر البشير، الذي كان يتمتع تقليديًا بأقوى العلاقات مع طهران ويُعتقد أنه لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في كل من الرتب العليا للجيش النظامي ووزارة الخارجية.