أحداث

البرهان بين حسابات السلطة ومعارك النفوذ.. الميكافيلية السودانية في أوجها


واضعًا كرسي الحكم قبلةً لسياساته، يقفز قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان فوق خريطة مصالحه بخطوات مرتجلة ومثيرة للسخرية.

فبينما كانت الثورة السودانية تبحث عن سبيل لانتقال سلمي وآمن للسلطة من قادة الجيش للمكون المدني الشريك في السلطة، كان البرهان يبحث عن قربان على المذبح الدولي يسمح له بالتراجع عن التزاماته.

وعلى ما يبدو، توصل البرهان إلى قناعة بأن إقامة اتصال مع إسرائيل يمكن أن يشكل علامة فارقة في علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتضمن له حرص واشنطن على استمراره في السلطة.

وفاجأ البرهان السودانيين بلقائه سرًّا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عنتيبي في أوغندا، كأول سابقة تاريخية لمسؤول سوداني رفيع يلتقي برأس سلطة الكيان الإسرائيلي وجهًا لوجه.

وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن في الأول من فبراير/شباط 2020 أن نتنياهو التقى البرهان في عنتيبي، وأنهما اتفقا على بدء حوار من أجل “تطبيع العلاقات” بين البلدين. وحينها، وصف نتنياهو اللقاء في تغريدة بأنه “تاريخي”.

ويرى خبراء أن البرهان كان يأمل أن يثير تحركه ضجةً وجدلاً في الداخل السوداني، خاصة من قبل قادة المكون المدني الشريك في السلطة، بحيث يمكنه أن يسوق رفضهم كسبب لتمسك واشنطن باستمراره في السلطة دون غيره.

وحينها، قال في لقاء صحفي بعد يومين من تسرب لقائه مع نتنياهو، إن محادثات تحضيرية استغرقت ثلاثة أشهر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية الأمريكي أدت إلى عقد اللقاء غير المشروط، الذي يُتوقع أن يُسهم في إعادة إدماج السودان بالمجتمع الدولي، بترتيب أمريكي.

واعتبر مراقبون أن البرهان كان يطمع في تدشين عهده في الحكم، بخروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ثم الاستئثار بدعم أمريكي-إسرائيلي لمسيرته في حكم السودان.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، رفعت الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد أن مكث فيها منذ عام 1993 على اعتبار أن نظام الرئيس السابق عمر البشير كان يوفر المأوى لجماعات متشددة، ما أدى إلى قطع الاستثمار والمساعدات المالية عن السودان، وعزله عن النظام المصرفي العالمي.

ولعبت الحكومة المدنية التي كان يقودها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك دورًا محوريًّا في تشجيع الولايات المتحدة على قرار رفع اسم السودان من قائمة رعاية الإرهاب، حسبما صرح بذلك وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو، في بيانٍ رسمي قال فيه: “تحقق هذا الإنجاز عبر جهود حكومة السودان الانتقالية التي يقودها مدنيون لرسم مسار جديد جريء بعيدًا عن إرث نظام البشير”.

إلا أن البرهان قاد انقلابًا عسكريًّا على الحكومة المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقبل أن يكمل قرار رفع العقوبة على السودان عامه الأول، وقبل أن يجني السودان ثمار الانفتاح على العالم، معلنًا بذلك عودة السودان مرة أخرى إلى عهود الظلام والعزلة الدولية وشبهات الإرهاب.

حكم بلا شرعية ولا تأييد

وبحسب الخبير العسكري في السودان، العميد معاش وليد عز الدين، لم ينجح البرهان في تسويق انقلابه على الحكومة المدنية في السودان، لا في المحيط الدولي ولا الأفريقي، وواجه ضغوطًا شديدة، محلية وإقليمية ودولية، بضرورة العودة إلى المسار المدني الانتقالي.

وقال عز الدين : تمنّع البرهان عن العودة للمسار المدني وإنهاء الانقلاب، وأصر على مواصلة الحكم بدون شرعية دستورية، ودون اعتراف الاتحاد الأفريقي وكل المؤسسات الدولية.

وأضاف: “عندما اشتد الخناق على البرهان بضرورة التوقيع على وثيقة ما يعرف بـ”الاتفاق الإطاري” بين المؤسسة العسكرية وعدد من القوى السياسية المدنية، لإنهاء الانقلاب، تخندق البرهان ومن خلفه جماعة التنظيم الإخواني، في خانة الرفض للاتفاق الإطاري، وفي وقت أيدت فيه قوات الدعم السريع الاتفاق، وأعلنت عن الالتزام بتنفيذ بنوده، بما فيها دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني”.

وأوضح العميد عز الدين أن البرهان امتثل مؤخرًا لرغبة التنظيم الإخواني في إشعال الحرب لقطع الطريق على مخرجات الاتفاق الإطاري.

ومنذ أبريل/نيسان 2023، دخل الجيش السوداني الذي يقوده البرهان في الحرب ضد قوات الدعم السريع المؤيدة للاتفاق الإطاري، ما أدخل الدولة السودانية في نفق أكثر ظلامًا من ذي قبل، تصدّع بموجبه السودان، وتجرع شعبه ويلات الحروب والنزوح والتشريد.

اللجوء إلى كوريا الشمالية

وبعد أن بلغت الحرب في السودان أقصى درجات الخراب والدمار، لم يتوقف البرهان عن “مناوراته” وتهربه من كل النداءات الدولية والإقليمية التي تدعو إلى إنهاء الحرب عبر المسار التفاوضي السلمي. ولم يكتفِ بفتح علاقات مع إيران من أجل الحصول على السلاح بطرق غير مشروعة، بل اتجه عبر وزير دفاعه لمدّ جسور التعاون العسكري مع كوريا الشمالية، الخصم اللدود للولايات المتحدة، مما يعزز فرضية الخبراء العسكريين الذين وصفوا البرهان بأنه “جنرال” متناقض يهوى اللعب على كل “الحبال” بهدف بلوغ غايته في حكم السودان.

الخبير العسكري، العميد عز الدين، وصف لجوء حكومة بورتسودان التي يقودها البرهان، إلى كوريا الشمالية في هذا التوقيت تحديدًا، بـ”النقطة السوداء” في سجلات الدبلوماسية”، مضيفًا بأن ذلك بمثابة فشل آخر يُضاف إلى سجل الفشل الذي تديره عقلية مؤمنة بالحرب والدمار ولا تراعي الأعراف والالتزام بالمواثيق الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى